| 0 التعليقات ]

الأناة.. يحبها الله تعالى


الحمد الله الرحيم الرحمن، العظيم السلطان، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]، وأصلي وأسلم على البشير النذير،والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

عباد الله: اتقوا الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الحشر:18].

أيها الحبيب: إنك لو رأيت كثيرًا من النتائج السلبية لكثير من أعمالنا بمختلف أشكالها لرأيت أن العجلة هي السبب في ذلك، وأن فقدان الأناة سبب رئيس في فقدان ما نريد .
الرفق يمنٌ والأناة سعادةٌ فاسـتأنِ في رفقٍ تلاق نجاحاً

فالأناة تعني عدم العجلة في طلب الشيء، والتمهل في تحصيله والترفق به.
تأمّل بعناية كيف ذم الله العجلة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6].

وتأمل كيف امتدح الله تعالى وفد عبد القيس من أرض هجر بصفة الحلم والأناة، حيث قال لأشجَّ عبد القيس _ : « إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة» [متفق عليه] .

فهنيئًا للمتأني محبة الله تعالى له ، وثناء النبي ‘ عليه .
كيف لا والنبي ‘ ينسب التأني إلى الله تعالى، وينسب العجلة إلى الشيطان، فيقول ‘ :
« التأني من الله، والعجلة من الشيطان، وما أحد أكثر من معاذيرٍ من الله، وما شيء أحب إلى الله من الحمد» [رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح] .
ولنعلم أن التأني جزء من شخصية الإنسان الراسخة الواثقة، فإن صاحبه يكون أكثر نظرًا وتأملاً لحاله وخطواته التي يخطوها، فتراه واثق الخطى، بعيدًا عن التردد، ليس بكثير التراجع، ولم يستمرئ الفشل ، بل هو يعي ماذا يقدم عليه، يمحصه بالدراسة والتشاور وبعد النظر، حتى إذا ما أقدم متكلاً على الله تعالى كان أكثر ثباتًا ونجاحًا، ولو وقع في خطأ فسرعان ما يرجع عنه، غير معاتب لنفسه ولا قنوط من ربه .
ولذا قال النبي ‘: «السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة» [رواه الترمذي وقال : حديث حسن] .

وقد ذمّ النبي ‘ العجول في الدعاء وعدّه من أسباب عدم الإجابة فقال ‘ :
«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول : قد دعوت ربي فلم يستجب لي ) متفق عليه.
وعن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي فَمَجَّدَ اللَّهَ وَحَمِدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُ تُجَبْ وَسَلْ تُعْطَ»
[رواه النسائي وذكره الألباني في الصحيحة] .

لا تعجلنَّ فربما عجل الفتى فيما يضرّه
ولربما كره الفتى أمرًا عواقبه تسرّه


ما أجمل التأني تلتصق بصاحبه صفة خيرّة ، تعود على قلبه بالطمأنينة، ولا تلحق به الأذى الذي يتبع المستعجل حتى يؤذيه، ولا تؤرقه أناة في ليل، ولا تشقيه في نهار، قال أبو حاتم ’ : "إن العاجل لا يكاد يلحق، كما أن الرافق لا يكاد يُسبق، والساكت لا يكاد يندم، ومن نطق لا يكاد يسلم، وإن العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب" .

لا تعجلنّ فليس الرزق بالعجل الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرزق يطلبنا لكنه خُلق الإنسان من عجل


أيها الكرام: كم سيخسر التاجر حينما يتعجل في شراء بضاعةٍ مّا وهو لا يخبرها، وكم سيتحسر الزوجان حينما يقدمان على الزواج من دون روية ولا مشورة ولا تأمل، وكم هو الضياع كبير لو عجل الزوج بطلاق زوجته من دون أن يحاورها ويتحدث إليها بالأدب والخلق أو يسند أمرهما إلى حكمين حكيمين ؟وكم سيندم الطالب حينما لا يتروى في امتحانه فلا يمعن النظر في إجابته! وكم سيأسف الصديق حينما يتهم صديقه بريبة ليس لديه فيها برهان! وهل سيوفق القاضي لو عجل في قضائه؟

يا للحكمة التي أنطق الله بها حبيبه ‘ كم هي عظيمة ومباركة ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ قَالَ فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ» [رواه أبو داود وأحمد وصححه أحمد شاكر ].

تأنّى يا رعاك الله وتثبت فيما تنطق، لا تعجل بالحديث، وما الذي يدعوك إلى المضي في شأن من غير روية ولا دراية، فإنك تملك نفسك ما دمت في مهلة النظر والتأمل، وما دامت الكلمة في خاطرك، وما دام الفعل لم يصدر منك، فإذا انطلقت الكلمة من فيك، وتحركت جوارحك بأعمالك، فأنت الآن رهن النتائج .

أما ترى كم تضيق السجون بأهلها،ولو سألتهم لقالوا بصوت واحد: إنا كنا من المستعجلين .
كن قوي الإرادة في مسك زمام نفسك عن الإقدام إلا بعد الـتأني وحسن التعقل ، فالإقدام بعد العلم والحلم والأناة محمود، وخصوصًا في مضمار الآخرة، فلا تتقهقر عن فعل الخير، بل لا تُسبق إليه، وكن مسابقًا مسارعًا، فعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله ‘: «التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة» [رواه أبو داود وصححه الألباني] .

ويفرق الإمام النووي ’ بين التأني والوقار فيقول : "التأني في الحركات واجتناب العبث هو السكينة المحمودة، أما غض البصر وخفض الصوت وعدم الاالتفات فهو الوقار" .

والتجربة تثبت أن من ابتلي بالعجلة، ثم تنبه لنفسه، فإنه يستطع أن يمرن نفسه على التريث، فإنه إذا وجد فائدته وطيب ثمرته، بقي عليه واستمر.

وربما كانت العجلة من الصفات التي يتسم بها الشباب، وهي أخطر ما تكون على نتائج أعمالهم ، فما أروع أن نربيهم على حسن التدبير وطول التفكر وعدم الاندفاع نحو الظلام من دون نور العلم ، فالجناية لن تكون آثارها عليهم فحسب بل على مجتمعهم وأهليهم .

اللهم ارزقنا حب كل خلق يزيننا ، واشملنا برحمتك، واجعلنا من السابقين إلى رضاك، أستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .

0 التعليقات

إرسال تعليق