| 0 التعليقات ]

عمال المناجم
للكاتب : فادي محمد ياسين


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه،

يقول الله سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة النحل: 97].

هل رأيت قبلا عمالا يحفرون منجم!؟

من يشاهد عملية حفر المناجم يندهش من صبر العمال العجيب وعملهم المتفاني المثالي وذلك ممّا لا بد فيه، لأنّ خطأ يسير يعني موتهم ودفنهم أحياء، فتجدهم بعد بدء الحفر والتعمق فيه وضعوا الدعائم لمنع الانهيارات وثبتوا الجدران وألبسوها الشباك وأمدوا خطوط الإنارة واستعدوا لبدء العمل واستخراج الجواهر الثمينة. ويختلف مكان هذه المناجم فمنها ما هو بصحراء مقفرة ومنها ما هو بغابة مثمرة، ولكن القيمة الحقيقة للمنجم الذي ينتج المعدن الأنفس مهما كان مكانه وحالته.

هل شاهدت كيف ينقون نتاجهم من الشوائب وهل تأملت هذا النتاج بعد صقله وتلميعه وتغليفه !؟

وهذا حال المؤمن وهذا حال الملتزم...

قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏} [سورة العنكبوت: 69].

على كل منّا أن يكون عامل منجم لنفسه فيبدأ في الغور في أعماقها ويصبر ويصابر على تهذيبها وإخضاعها لله الواحد القهار واتباع سنة نبيه المختار، فكلما أتقنت البحث والحفر وصابرت واستعنت بالأدوات اللازمة كلما صقلت نفسك وأعليتها، كلما زاد اتباعك زاد نتاجك، وكلما درست الثقوب في نفسك وسددتها كلما حافظت عليها من الانهيار وما أكثر تلك الثقوب.. فمن تضييع للسنن الرواتب للغيبة للنميمة للغش والتحايل والخداع للنمص والتبرج والطرد من رحمة الله إلى عقوق الوالدين والربا والنفاق، ولكن وإن كثرت الثقوب فأمرها سهل إن وجدناها وأغلقناها قبل أن تكبر وتستفحل وتؤدي لانهيار أنفسنا علينا، ومن هنا يتضح لنا جليا أهمية وعظم الذنب الواحد فالثقب قد يؤدي لانهيار منجم بأكمله فما بالك بأكثر من ثقب!!

شـمـر عسى أن يـنـفـع التشـميـرُ *** وانظر بفكرك ما إليه تصير
طـــولـت آمـالاً تـكـنـفـهـا الـهـــــوى *** ونسيت أن العمر منك قصيــر


يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد): "للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية؛ فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يوسوس له؛ فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها.
والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده، والقلوب جوالة في هذه المواطن".

حالنا والناظر فيه يجدنا التزمنا ولكن طغى التزامنا الخارجي على التزامنا الداخلي، فبتنا لا نرى لمعصية السر وزنا، فقد تسترنا خلف اللحية والنقاب وهذا ما هو بالتزام لأنّ ضياع الداخل سيؤدي ولا بد إلى ضياع الخارج، أمّا حسن صناعة الداخل فستؤدي ولا بد إلى التأثير على الخارج وليس ما أعنيه أن نتخلى عن اللحية والنقاب (الخمار)، بل أدعو الله أن يزيد شبابنا وبناتنا التزاما ولكنها دعوة للاهتمام بمحتوانا الداخلي، فأي صورة فظيعة يرسمها من يلتحي ويقصر ثوبه ثم يغش ويأكل أموال النّاس ويطلق بصره للحرام، وأي صورة ترسمها المنتقبة وهي تغتاب هذه وتنم تلك وتؤذي جارتها.

من يهمني.. منجم مقفر في غابة أم منجم غني في صحراء؟؟
فما بالك إن أكرمك الله بمنجم غني في غابة مثمرة.

لنتعاهد أنفسنا ولا نتركها هملا بل لنحاسبها بأشد ما تكون المحاسبة وإيّاك أن تدعوك نفسك للتسويف، فما وضعته بها من ثوابت ودعائم لتخرج ما بها من فضائل لن يدوم طويلا وستسقط تلك الدعائم وستحتاج لأعادة الحفر والبحث من جديد.

يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد): "اشتر نفسك اليوم؛ فإنّ السوقَ قائمة، والثمن موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يومٌ لا تصل فيه إلى قليل، ولا كثير {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}".

واعرف دوما أنّ النّاس يرون فيك الإسلام وأقل ما يقولونه انظر الملتحي ماذا يفعل أو انظر المنقبة ماذا فعلت، فاحذر أن يؤتى الإسلام من قبلك بل لتكن الحصن الحصين له.

فكما أنّ نتاج المناجم يستفيد منه العامل وغيره فليكن في تهذيب نفسك إعداد لك ودعوة لغيرك فكما لمست بريق حلاوة الإيمان فادعو غيرك، أفلا تسأل نفسك وتسألي نفسك كم شخص دعوت أو كم شخص التزم على يديك منذ أن استقمت؟

قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [سورة التوبة: من الآية 71].

ويسطر الإمام الشافعي رحمه الله نصيحة في ذلك فيقول:

تعمدني بنصحك في إنفرادي *** وجنبني النصيحة في جماعة
فإنّ النصح بين النّاس نوع من*** التوبيخ لا أرض استماعه


اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، للإسلام رافعين ولدينك متبعين، وللأعراض حافظين وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم متمسكين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

| 0 التعليقات ]

سأعصيك ولا أبالي
للكاتب : فادي محمد ياسين


تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

مما يلفت الانتباه ويدهش البال ما نسمعه من مواقف يطلب فيها عون الله ومشيئته وهو منها براء سبحانه، كأن تسمع مقابلة مع أحد الفنانين أو إحدى الفنانات المفسدين والمفسدات تتكلم وتختم كلامها بالحمدلله وإن شاء الله، وآخر بقوله ربنا يوفقني!!!

ومن المواقف المحزنة أن ترى شباب الأمة بدلاً من أن يحملوا همها ورفعها من رقدتها يتهافتون على دور السينما وحفلات الموسيقى وأماكن المجون وكانه الإصرار على المعصية ولسان حالهم يقول نعصيك ولا نبالي


يا من تتعامل بالربا ولازلت مصرّا ........
يا من تشاهد القنوات الساقطة ..........
يا من تغرر بالفتيات الغافلات........
يا من تقذف المحصنات الغافلات ....
يا من تغتاب وتنهش الأعراض ......
يا من تتبرجين وتجاهرين بمعصية رب السموات ....
يا من ألهته المسكرات والمفسدات .....
يا من عق والديه وقطع مع الأرحام الصلات ......

أليس ذلك لسان حالكم إن لم تقرروا التوبة والإنابة إلى الله .
ألا تعلم أنك لاقيه لا محالة؟ نعم ستلاقيه لا مفر.

{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة: 12]

{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق: 8]

فهل استعددت للإجابة أم أنها صعبة معقدة مريرة؟
كلا وربي إنها ليسيرة لمن طلبها من الحي القيوم فتاب وأناب وسكب العبرات وأقام الصلوات ورجع بصدق إلى رب البريات.

{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135]

وروى البخاري بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«الله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلت عنه وعليها طعامه وشرابه فاضطجع في ظلها قد أيِِس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال: من شدة الفرح، اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح»

فقط أعطِ ذهنك دقيقتين من التفكر والتأمل خاصة قبل أن تنام واستشعر أننا مسؤولون وبين يدي ربنا واقفون، تخيل وارسم في ذهنك ماذا يعني ذلك، كيف لنا أن نطيق وماذا أنت فاعل، وما هي إجابتك في ذلك الحين وكيف ستكون؟
ستهرب؟ لا... لا مفر.
ستكذب؟ لا... فستنطق الجوارح والأطراف.
ستقاوم؟ تقاوم من!!!
أنت ضعيف مسكين ذليل قد قيدتك الآثام والذنوب والمعاصي.

{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]

{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]

لكــــن
المخرج موجود طالما أن روحك مازالت بين جنباتك.
نعم موجود بل الباب مفتوح على مصراعيه وغرغرتك إغلاقه.

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{53} وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 53-58]

وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم في التوبة (2759)، وأحمد في المسند (19529)،

في حديث أنس أهم الأسباب التي يغفر الله عز وجل بها الذنوب ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تعالى: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئـًا لأتيتك بقرابها مغفرة». رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.



قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".


قم فاغتسل وتوضأ وصل ركعتين توبة وإنابة إلى الله سبحانه وكن صادقا فيهما وعاهده واطلب منه سبحانه ألا يعيدك إلى ما كنت عليه.

قال الإمام الشافعي رحمه الله عند موته:

ولما قسى قلبي وضاقــت مذاهبـي *** جعلت الرجاء مني لعفوك سلمـا
تعـاظمنـي ذنبــــي فلمـــــــا قرنتـــــه *** بعفـوك ربـي كــــان عفوك أعظم


فيا غافلاً تتمادى! غدًا عليك ينادى.

قصة حياتك تنقضي بموتك فلا يذهب معك أحد.

{قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ: 30]


قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء: 18]

ذكر الشيخ محمد حسان (في شريط سكرة الموت في سلسلة أحداث النهاية) قصة موت أحدهم ممن هم في زماننا هذا فيقول:
"كان في مسجدنا شاب معنا فتغيب عنا يوماً ما فسألنا عنه فقيل لنا أن والده قد توفي. فقابلته وسألته عن قصة موت والده لأذكر بها الناس فقال إنها عجيبة، لقد كان والدي قوي فتي، لم يصب بمرضٍ قط، وفي يوم وفاته وبعد تناول طعامه أخذ يشعر بألم في معدته، فذهب إلى دورة المياه ونحن نسمع صراخه وتقيؤه ثم سكت فجأة ففتحنا عليه الباب فوجدنا رأسه في المرحاض وقد فاضت روحه.

يا اللــــه! إنما الأعمال بالخواتيم...
فسألته: بالله عليك ماذا كان والدك يفعل في حياته؟
قال: لم يصل لله أبدا.
فقلت: لا. اذهب واسأل والدتك ما أمره.
فذهب وقال: قالت لي والدتي يا بني لقد كان أبوك يتعامل بالربا فيقرض الألف ويقبضها ألفا وخمسمائة.

فيا الله أكل الحرام في حياته فانظروا ماذا أكل عند موته...!!

فالخاتمة ميراث الأعمال، والقصص كثيرة لا مجال لحصرها، ومن تلكم القصص روى مسؤول في مغسلة الموتى في المنطقة الشرقية في السعودية عن فتى غسلوه وعمره ثلاثة عشرة سنة ورأوا العجب مما يبشّر بحسن الخاتمة.
فسألت أحد الموجودين: ءأنت أباه؟
فقال: لا أنا إمام مسجدهم، وهذا الفتى من جماعة المسجد، وإن كان للمسجد أربعة أعمدة فهو خامسهم، كثير الصمت والذكر لله، قليل الكلام. حلم به والده ورأت والدته الرؤيا نفسها متواترة، وقد كان فيها أنه في حديقة خضراء يعلو رأسه تاج، فقالوا له: ما فعل بك ربك؟
قال: رضي عني وعن والدي ووالدتي وجدتي...

يا الله! شتان بين هذا وذاك.

فعودة إلى ذي بدء، فإن كنت لابدّ مذنبا فلا تجعل سيئتك تتخطاك إلى غيرك فتصبح سيئة جارية تموت أنت وهي تجري وترفع لك ميزان السيئات.
فوالله إن هذا لهو الخسران المبين.

أخي الحبيب.. إن هذه الخطايا ما سلمنا منها فنحن المذنبون أبناء المذنبين.. ولكن الخطر أن نسمح للشيطان أن يستثمر ذنوبنا ويرابي في خطيئتنا. أتدري كيف ذلك؟

كمثل المغني الذي مات ولم يتب ولازالت شرائطه وحفلاته تباع وتتداول في الأسواق فتفسد هذا وذاك.

كم هو مسكين خلّ وأخلّ وعاقبته إن لم يرحمه الله خسران مبين.

{حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99-100]

فيا أيها المسلم الموحد: عد إلى فطرتك السليمة السوية وتب إلى بارئ السموات والأراضين توبة نصوحًا تنفعك يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أخي المسلم: قد أفلح عبد حاسب نفسه اليوم قبل أن يحاسب... وألزمها المحجة قبل الندامة..

فلنستعد ليوم الرحيل.. ولتستكثر من زاد الآخرة.. وإياك والغفلة والتسويف، فيهما أهلك إبليس الخلائق.. وأوردهم النيرانَ!



قدم لنفسـك توبــة مرجــــوة *** قبـل الممـات وقبـل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنهــا *** ذخـــــر وغنـم للمنيــب المحسـن


والظن في جميع المسلمين والمسلمات أنهم ممن يبالون لغضب الله ورضاه ويحملون هم الذنب ويبغون عفو ربهم وضاه
فاللهم اهد المسلمين والمسلمات وسدد خطاهم وأعذهم من شرور أنفسهم وألهمهم الرشد والهدى والتقى والعفاف وفعل الطاعات والبعد عن المنكرات.

والسلام على النبي الأمين محمد بن عبدالله الرسول الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

| 0 التعليقات ]

هي قصة فتاة...بل قل هي قصة جميع خلق الله.

هذه الفتاة أرادت السعادة...و لكن يا حسرتاه!! زين لها الشيطان المعصية فصدها عن السبيل، زين لها المعصية فظنت أنها هكذا ستكون سعيدة.سبحان الله و كيف ترزق السعادة فى معصية الله؟؟!! ألم تعرف أن السعادة من الله وحده {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [سورة النجم:34] فكيف يا ترى سترزق رزق الرزاق بمعصيته؟و هل خرج سيدنا آدم عليه السلام من الجنة إلا بعد أن وسوس له الشيطان بهذا!! أسكنه الله الجنة و رزقه بزوجة تؤنسه و أعطاه من النعم الكثير و لكن...نهاه فقط عن شجرة واحدة... نعم شجرة واحدة، فوسوس له الشيطان و لزوجه أنه إذا أراد السعادة فليأكل من الشجرة التي نهاهما الله عنها {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [سورة الأعراف:20] فكانت هذه الواقعة سبب في إخراج بني آدم جميعا من الجنة، و كانت لهم درسا يتعلمون منه حتى لا يضلوا الطريق، الطريق الذي يعيدهم إلى موطنهم الأصلي و هو الجنة أو يخرجهم من الجنة إلى الأبد، و لكن نست البشرية جمعاء هذه القصة، و تركوا إبليس اللعين يلعب معهم نفس اللعبة التي لعبها مع أبويهم من قبل...لعبة تزيين المعصية...لن تنالوا السعادة إلا بالتحرر من كل هذه القيود و التكاليف التي فرضت عليكم، فهل وجدوا السعادة؟؟!! إن من ينظر إلى واقع العالم بأثره اليوم يجده يعيش في تخبط ليس بعده تخبط، يعيش التعاسة و لن يجد ما يبحث عنه إلا بالرجوع إلى الله.

والآن تعالوا بنا نستمع إلى نموذج فردي من هؤلاء الذين كانوا يبحثون عن السعادة و ظنوا أنهم لن يجدوها إلا في غير مرضاة الله، تعالوا نستمع إليها و نحاول أن نتعلم منها...بل فليتعلم منها العالم بأثره أنه لن يجد هذه السعادة إلا مع الله.

وبحثت عن السعادة جاهدا*** فوجدت هذا السر في تقواك
فليرضى عني الناس أو فليسخطوا***أنا لم أعد أسعى لغير رضاك


كنت في فترة صباي و خدعني الناس بقولهم أنت مازلت صغيرة, حاولي أن تستمتعي بحياتك, حاولي أن تعيشي شبابك, اخرجي و تمتعي, البسي أغلى الثياب, استمتعي بالدنيا و انسي أمر الدين, فأنت مازلت صغيرة, لم ترهقين نفسك بكل هذه التكاليف؟ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها, و الله غفور رحيم, اخرجي ليل نهار, اذهبي إلى السينما, سافري هنا وهناك, اعملي في البنوك الربوية فإن لها مستقبل باهر فهم يعطون مرتبات تجعلك تعيشي ملكة أو عليك بشركات الدعاية أنت جميلة و سوف تجدي فرصة عمل رائعة، إياك أن تلبسي الحجاب فإنك لن تجدي فرصة في عمل ولا في عريس و إن وجدتيه سيكون فقير الحال, ليس له أي وجاهة اجتماعية أو سلطة، حاولت أن أتبع تعاليمهم بدقة شديدة, أريد السعادة...أريدها خالصة لي..أريد أن أكون ممن يشار لهم بالبنان...و من منا لا يريد السعادة؟ لبست أفخر الثياب و حاولت أن أجد السعادة فلم أجدها...كيف؟ لقد دفعت أغلب ما أملك لألفت أنظار الجميع و لكن لم أشعر بالسعادة...لا بأس..أكيد سوف أجدها عندما أعمل في المكان الفلاني الذي ينتقون فيه العاملين بشدة..ينتقون الأجمل و الأكثر وجاهة اجتماعية و أكيد سوف يكون هناك العائد الوفير الذي يجعلني أعيش في أعلى مستوى و يمكن أن أجد هناك العريس المناسب الذي يجعلني أعيش في أعلى مستوى أتميز به عن باقي صديقاتي...و لكن للأسف لم أجد السعادة، ماذا أفعل يا ربي؟ تعبت...حاولت أن أبذل كل ما أستطيع لكي أرتاح و لم أرتاح أبدا...كنت كمن يمشي في صحراء يرى من بعيد سراب فيجري إليه و يحسبه ماء و عندما يصل إليه لا يجده شيئا، فقلت لنفسي: أنا حاولت أن أخالف ما أمر الله به لعلي أن أجد السعادة فلم أسعد فماذا لو جربت طاعته؟ أحاول...ماذا سوف أخسر؟...لعلي أجدها.

وبدأت أصلي لله بخشوع و كانت أول مرة أشعر بصلاتي, كنت أشعر أن كلمات سورة الفاتحة فقط ترجني من الداخل رجا, فعندما اقرأها تبدأ الدموع تنهمر من عيني, تنهمر ولا أعرف لماذا؟ أشعر و كأن أشياء كثيرة تحدث بداخلي, ترى ماذا يحدث؟ لم أشعر بسعادة في حياتي بمثل ما شعرت بها يومها...كنت كلما قرأت الكلمات أبكي و لكنه بكاء يتلوه راحة عجيبة...بكاء ليس كالبكاء الذي كنت أبكيه على شيء ضاع مني أو شيء لم أستطع الحصول عليه, بكاء غريب له طعم جميل، شعرت براحة شديدة في الصلاة، و للعجب أول مرة بحياتي استيقيظ لأصلي قيام الليل...ماذا قيام الليل؟ وإذا بنفسي تقول: مهلا مهلا ...أين أنت؟ أنت التي كنت تبحثين عن سعادة الدنيا بأثرها، تستيقظين في هذه الساعة المتأخرة و تتوضئين بالماء البارد و تصلين، و تقولي لي: أنك تبحثين عن السعادة؟ فقلت لها: نعم أبحث عنها و لم أجدها إلا هنا... قالت لي: بالتأكيد جننتي أو ستعودي إلى رشدك ثانية فلن تستطيعي المواظبة فهذا الطريق مليء بالصعاب و أنت لست أهلا له...، فقلت لها: لا سوف أبذل ما أستطيع لإرضاء ربي، فأنا لم ولن أجد السعادة إلا معه.

وبدأت أبحث عما يرضي ربي, فوجدت أن ملابسي تحتاج إلى تغيير, بدأت أشعر بالحياء الشديد من نظرات الناس لي بعد أن كنت أسعد بها, و كنت كلما رأيت مسلمة ترتدي عباءتها شعرت و كأني أخجل من نفسي و أتمنى أن أكون مثلها, أشعر بالغيرة الشديدة عندما أرى نظرة الاحترام لها من الناس, فشعرت في قرارة نفسي و لماذا لا ارتدي حجابي؟ فأنا مسلمة و بطاقتي الشخصية كمسلمة هي حجابي, و لكني قلت في قرارة نفسي و لكني أريد أن ارتدي الحجاب لله و لأجل أن يكون لله يجب أن يكون فيه المواصفات التي يرضاها ربي ولست أريد أن ألبس نفس ملابسي الضيقة و ارتدي عليها غطاء للرأس و أقول الحمد لله لقد ارتديت الحجاب, لا, أريده لله, إذن فسأشترى ملابس جديدة حتى و إن كانت عباءة واحدة ارتديها, لاضير, طالما أرضي ربي, فسأكون سعيدة، و بالفعل اشتريت عباءة واحدة و شعرت بسعادة لا أقدر على وصفها, يا الله لم أكن أشعر بمثل هذه السعادة من قبل, أول مرة بحياتي أشعر بهذه السعادة, لم أشعر بهذه السعادة مع الملابس الفاخرة, لم أشعر بهذه السعادة و كنت كل يوم ارتدي شيئا جديدا, لم أشعر لحظة واحدة بالرضا عن نفسي, و لكني وجدت الرضا, وجدته في طاعة ربي، و شعرت و كأني ملكت الدنيا بأثرها.

ومرت علي سنين طويلة كل يوم أحاول أن أبحث عن العيوب التي بي و أحاول أن أغيرها من أجل ربي, و مهما لاقيت من استهزاء الناس أو لاقيت من صعاب أشعر أكثر بحبي لربي و أشعر أكثر بالانتماء لهذا الدين، يا له من دين, أعطاني كل ما كنت أريده...لو علم الباحثون عن السعادة في غير رضا الله ما بي من سعادة لحاربوني عليها بالسيوف.

وكيف لا؟ فقد رزقت صحبة في الله، و عندما تقول صحبة في الله تعني أنهم يحبونك لله و لله وحده ليس لمظهر ولا لمال لديك ولا لمصلحة دنيوية فلا تجهد نفسك في التكالب على الدنيا و لا في الكذب أحيانا حتى تظهر لهم مدى أهميتك, لا بل كل ما تفعل لكي تكسب حبهم و ثقتهم هو أنك تطيع الله, ووقتها ووقتها فقط سوف تجد الكون كله يحبك, و كيف لا يحبك كل ما في الكون و الكون كله من خلق الله. قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ «إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل إن الله قد أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في أهل الأرض» [رواه البخاري].

ورزقت أيضا الاطمئنان النفسي و الرضا و السعادة الداخلية التي لم و لن أجدها إلا في طاعة الله،فكيف إذا لا أشعر بالسعادة؟ وأنا أعبد رب هذا الكون كله، نعم لقد أيقنت أن السعادة ليست في المال والسلطان والجاه والشهرة، بل إن السعادة الحقيقة في رضى الله. أيقنت أن السعادة الحقيقية لأي إنسان أن يرضي الله عنه وأن يحبه وتحبه الملائكة، فليس المهم ماذا يقول عني الناس؟ إنما المهم ماذا يقول عني رب الناس، ليس المهم ماذا يقول عني أهل الأرض وكيف شهرتي فيها؟ ولكن المهم ماذا يقول عني أهل السماء وما هي شهرتي فيها؟ حقا من سيرضي الله سينال سعادة الدنيا ويعيش في جنة، فإن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة هي حب الله ورضاه والأنس به.

فيا حسرتاه على من يبحث عن السعادة في غير مرضاة الله:

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [سورة طه:124]

| 0 التعليقات ]

يوم المسلم بين الحفظ والضياع
للكاتب : عائض بن عبدالله القرني


أخي المسلم ..

سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد :

احفظ الله يحفظ، احفظ الله تجده تجاهك.

هل حفظت الله تعالى في صلاة الفجر فصليتها جماعة ؟ فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أّنه قال :
«من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله» أي حفظه ورعايته.

هل صليت الصلوات الخمس بخشوع وخضوع وحضور قلب ؟ قال تعالى : {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}
[البقرة:238]، وهل أديت السنن الرواتب ؟

هل جددت التوبة كل يوم وأكثرت من الاستغفار ؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً} [التحريم:8].


عمل يسير عليك أيّها المسلم يجزؤك عن كل مفصل من جسمك ركعتا الضحى هي صلاة الأوابين الصادقين.

يومٌ لا تقرأ فيه شيئًا من القرآن يوم مظلم لا بركة فيه؛ لأنّ بركة الوقت تؤخذ من القرآن
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص:29].

قسوة القلب مصيبة من أعظم المصائب دواؤها ذكر الله عز وجل {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ومنها أذكار الصلوات وأذكار الصباح والمساء.

كيف يَسْلم لك أيّها المسلم إيمانك وقد أطلقت نظرك إلى الحرام {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30].

يومك المبارك يوم تتصدق بصدقة أو تُدخل السرور على مسلم أو تصلح بين متشاجرين {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ}
[النساء:114].

وأنت في طريقك إلى اليوم الآخر لا تنس زادك {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}
[البقرة:197] قيام الليل، صيام النوافل، زيارة المريض، زيارة القبور، تشييع الجنائز، مجالس الذكر، البكاء من خشية الله، التفكر في آيات الله تعالى، سلامة الصدر، حفظ اللسان، حب الصالحين ... كلها نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.

صلاة وسلامًا على محمد نبي الهُدى والرحمةِ والآل والصحب والتابعين.


أخوكم الفقير إلى عفو ربّه
عائض بن عبدالله القرني

| 0 التعليقات ]

عندما يسجد العقل للشهوة


إنّ الشهوة الجنسية غريزة طبيعية في الإنسان، وفطرة فطر الله النّاس عليها، وقد اعترف الإسلام بهذه الغريزة واحترمها، لذلك شرع الله الزواج بين الجنسين طريقا لتلبية داعي هذه الغريزة، وجعله سنة من سنن المرسلين، وسمى العقد الذي بين الزوجين ميثاقا غليظا إشعارا بعظمته وأهميته .

وتعتبر هذه الغريزة من أقوى الغرائز لدى الإنسان، وأشدها خطرا عليه، ولذلك جعلها الله أول الشهوات التي زينت للنّاس، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ.....} [آل عمران:14].

ومتى أطلق العنان لهذه الغريزة، وفتح لها الباب على مصراعيه، في غيبة من الوازع الديني والأخلاقي، فإنّها لا تبقي ولا تدر، وتهلك الحال والمال، ويؤدي إهمالها إلى فساد المجتمع وضياع النسل والأنساب، وخراب الأمم والأفراد .

وقد حذر الله تبارك وتعالى حتى من مجرد الإقتراب من الفاحشة، فقال : {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}، وقال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32].

وإذا حرم الله شيئا حرم أسبابه، ونهى عن دواعيه ووضع من الأحكام والتشريعات ما يسهل للنّاس تجنبه والإبتعاد عنه، فعندما حرم الله الزنا شرع عددا من القواعد والتشريعات ووضع سياجات تقي النّاس من الوقوع في أوحال الرذيلة تسهيلا لهم ورفعا للمشقة والتكلفة عنهم وإن كان في ظاهرها المشقة والتكلفة، ومن هذه التشريعات :

أولا : أمره سبحانه وتعالى الجنسين بغض البصر، فقال تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...} [النور30-31].

ثانيا : أمر الله تعالى النّساء بالقرار في البيوت حفاظا على استقرار المجتمع فقال : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ....} [الأحزاب:33].

ثالثا : عندما تخرج المرأة من بيتها لحاجة معينة كزيارة رحم أو عيادة مريض أو غير ذلك، فإنّ الشرع فرض عليها الحجاب سدا لأبواب الفتنة، فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ..} [الأحزاب:59]، وقال : {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...} [النور:31] .

رابعا : نهيت المرأة عن الضرب برجلها إظهارا لزينتها، فقال تعالى : {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ..} [النور:31].

خامسا : نهيت المرأة عن التكسر في الكلام، فقال تعالى : { ..فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ..} [الأحزاب:32]، وقد شرع الله الكلام من وراء حجاب في مخاطبة أمهات المؤمنين أشرف نساء العالمين، فقال تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الأحزاب:53].

سادسا : نهي المرأة عن التعطر للأجانب، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «أيّما امرأة خرجت من بيتها مستعطرة، ثم مرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية».

سابعا : نهى الشرع الحكيم عن الإختلاط بين الجنسين، وحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، فقال صلى الله عليه وسلم : « إيّاكم والدخول على النّساء، فقالوا : أرأيت الحمو يا رسول الله، قال : الحمو الموت الحمو الموت الحمو الموت»، وقال صلى الله عليه وسلم : «ما خلا رجل بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما» .

ثامنا : شرع الله سبحانه وتعالى إشهار الزواج الشرعي، وجعل شهود العقد من شروط صحة الزواج .


ولو عمل النّاس بهذه الأحكام التي وضعها الإسلام لعاشوا في سعادة وهناء، ولكن عندما تعامت النّساء عن الوصايا، وتجاهل الشباب القواعد والأنظمة الشرعية، حلت بهم الكوارث، وانفلت الزمام من يد المجتمع .

والباب الرئيس للفاحشة والإنغماس في أوحال الرذيلة، هو إطلاق البصر في ما حرم الله تعالى، سواء كان ذلك بصورة مباشرة على أرض الواقع، أو عبر شاشات القنوات الفضائية التي ما فتئت تمطر شبابنا بسيل من الإغراءات والفتن، أو عبر شاشات شبكة المعلومات - وقد عمد بعض أصحاب مقاهي الإنترنت إلى وضع ستائر للأجهزة، ووضع كواسر( proxies ) للأجهزة تخترق المواقع المحظورة تسهيلا للشباب والمراهقين - فيكلُّ بصر الشاب من تقليبه في هذه الأمور، وتنطبع في قلبه الصور والمشاهد الخليعة، فتتولد الخواطر والأفكار السيئة تدعمها خسة النفس وإيحاء الشيطان، وتضطرم الشهوة الجنسية، وقد يلجأ عندها إلى أمور يعتقد فيها تخفيف ما يعانيه، كالعادة السرية وغيرها، فيعالج الداء بداء أخطر منه، فتنشأ الأمراض النفسية، وتزيد حدة السعار الجنسي، فيعمد الشاب عندها إلى محادثة الفتيات عن طريق الهاتف، أو بالمحادثات الإلكترونية ( التشات ) وكم من فتيات وقعن ضحايا لمثل هذه المحادثات، فيجد أن هذه الطريقة لا تروس ظمئا ولا تشبع نهما، فيقرر الفتى عندها التحرر من جميع القيود الإجتماعية، فيبدأ بارتياد أماكن الإختلاط وتجمعات الفتيات لينشئ علاقات فاسدة يظهر في بدايتها أنّه في منتهى الشرف والنزاهة، وأنّ علاقاته بريئة ( الحب البريء!! ) حتى إذا انقادت الشياه للذئب، وقع الفأس على الرأس، وارتفعت النزاهة، وهتكت الأعراض، فإذا مل من فتاة انتقل إلى أخرى، وربّما قطع بعضهم الحدود وطوى المسافات، وبذل الأموال الطائلة من أجل تحقيق رغباته الجنسية، والتخفيف من السعار الجنسي الذي يكابده .

إنّ القلب ليتفطر أسى وحسرة حين ترى الشاب في أوج قوته وفتوته، وقد جعل عقله بين رجليه، لا هم له إلّا ملاحقة الفتيات وارتياد أماكن تجمعاتهن، يعيش هائما كالسكران، يبحث عن الشهوة في كل مكان، وبأي شكل، حتى تصبح همه الأوّل، فإذا تحرك فمن أجلها، وإذا سكن فلأجلها، يقيم من أجل إرضاءها، ويسافر بحثا عنها، يسهر الليالي الطوال منكلا على عبادتها وتحقيق مطالبها، نسي أهله، وقطع أرحامه، وتناسى صلاته وعباداته، وغفل عن جميع الحقوق الواجبة عليه، وصد وجهه عن كل محتاج لمساعدة أو طالب لخدمة إنسانية، فقلبه ممتلئ بحب هذه الغريزة دون سواها، قد انفلت الزمام من عقله تقوده الشهوة كيفما أرادت .

ويا ترى ما الثمرة التي يجنيها من كل هذا اللهاث، إنّه يجني الكثير، ولكنها ثمار حنظل مرير :

الثمرة الأولى : قلق وخوف يحيط به من كل ناحية، قلق عن إعراض الفتيات، وخوف من الفضيحة والعار، وتوجس من هجوم الأمراض الجنسية .

الثمرة الثانية : الشرود الذهني والتشتت العقلي، واختلال التفكير تشعبت به الطرق، وأعيته المسالك، وسيطرت الشهوة على كامل قواه الفكرية .

الثمرة الثالثة : قلة الإنتاج الفكري والعملي، لإشتغال فكره، وتحطم نفسيته، وإجهاد جسمه .

الثمرة الرابعة : السعار الجنسي، وتوهج الغريزة، فهو كالذي يشرب من ماء البحر، كلما شرب كأسا ازداد عطشا، لا يرتوي أبدا .

الثمرة الخامسة : ذهاب مخ الساقين، وضعف البصر، وشحوب الوجه، والإحساس الدائم بالتعب والإرهاق .

الثمرة السادسة : الشعور بالملل، والتهرب من المسؤولية، وقلة الصبر والتحمل، والحساسية المفرطة، والغضب لأتفه الأسباب، وضيق الصدر، والتشنجات العصبية، والأمراض النفسانية .

الثمرة السابعة : هدر الأوقات من أجل لذة لحظات، وضياع زهرة الشباب في السعي خلف الشهوات .

الثمرة الثامنة : غياب أموال طائلة يمكن أن تصرف في كثير من المصالح الدينية والدنيوية .

الثمرة التاسعة : جريمة الزنا دين يحمله الزاني، ليوفيه مستقبلا في أهله :

إنّ الزنا دين إذا أقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

الثمرة العاشرة : ضعف إرادة الخير والصلاح تدريجيا في القلب، وسيطرة المعصية عليه، حيث يصبح عبدا لشهوته، أينما توجهه توجه، أراد التحرر من القيود الدينية والإجتماعية - زعم - فنال حرية كحرية ببغاء محبوس في قفص ذهبي أو كلب مربوط بسلسلة ذهبية .

الثمرة الحادية عشرة : غضب الله ومقته، وحلول المصائب والآفات، وعدم البركة في المال والعمر والأولاد .

الثمرة الثانية عشر : مقت الأقربية والأرحام، لتضييع الحقوق، وعدم الاكتراث بالمسؤولية .


وصدق الله حيث قال : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً...} [طه:124].

وليت شعري كيف يبني أمةً شبابٌ تقلب بين أحضان البغايا، وفرش المجون، أم كيف يرفع شأنها شباب يقلب طرفه في نحور الفاسقات أكثر مّمّا يقلبه في المصحف، ويرتاد تجمعات الفتيات أكثر من ارتياده المسجد ؟؟!!!

ولكن هكذا تكون الحال عندما يسجد العقل للشهوة، ويسبح بحمدها .

نعوذ بالله.