| 0 التعليقات ]

د.محمد المهدي - استشاري علاج زواجي ورئيس قسم الطب النفسي - كلية طب دمياط - جامعة الأزهر




فيما يلي أهم أنماط الاختيار الزوجي التي يتّبعها الناس وليس بالضرورة أن يلتزم المختارون أحد هذه الأنماط منفرداً؛ بل قد يختار الشخص بأكثر من نمط, وكلما تعددت وسائل الاختيار وأنماطه؛ كلما كان أقرب إلى التوازن؛ خاصة إذا كان ملتزماً بالأنماط الصحيّة في الاختيار.







1. العاطفي: وفيه يكون الاختيار قائماً على عاطفة حب قوية لا تخضع للعقل ولا للمنطق، والشخص هنا يعتقد أن الحب -وحده- كفيل بحلّ كل المشاكل، وكفيل ببناء حياة زوجية سعيدة، وبالتالي يكون غير قادر على سماع أو تفهّم نصائح الآخرين له, ويكون شديد العناد في الدفاع عن اختياره على الرغم من وجود عقبات منطقية كثيرة تؤكد عدم التوافق في الزواج، وكلما زادت محاولات إقناع هذا الشخص -رجلاً كان أو امرأة- كلما ازداد إصراراً وعناداً, ولا يوجد حل في هذه الحالة غير ترك الشخص يخوض التجربة بنفسه بحيث يسمح له بالخطبة (وينصح في هذه الأحوال بإطالة فترة التعارف أو الخطبة)، ثم تتكشف له عيوب الطرف الآخر إلى أن يعاني منها, وهنا فقط يمكن أن يتراجع.







2. العقلاني: وهو يقوم على حسابات منطقية لخصائص الطرف الآخر, وبالتالي يخلو من الجوانب العاطفية.







3. الجسدي: ويقوم على الإعجاب بالمواصفات الشكلية للطرف الآخر مثل جمال الوجه أو جمال الجسد.







4. المصلحي: وهو جواز يهدف إلى تحقيق مصلحة مادية أو اجتماعية أو وظيفية من خلال الاقتران بالطرف الآخر. وهذا الاختيار يسقط تماماً إذا يئس صاحبه من تحقيق مصلحته أو إذا استنفد الطرف الآخر أغراضه.







5. الهروبي: وفي هذا النمط نجد الفتاة مثلاً تقبل أي طارق لبابها هرباً من قسوة أبيها أو سوء معاملة زوجة أبيها أو أخيها الأكبر, ولذلك لا تفكّر كثيراً في خصائص الشخص المتقدم لها بقدر ما تفكّر في الهروب من واقعها المؤلم.







6. الاجتماعي: وهذا الاختيار يقوم أساساً على رؤية المحيطين بالطرفين من أهل وأصدقاء؛ حيث يرون أن هذا الشاب مناسب لهذه الفتاة فيبدءون في التوفيق بينهما حتى يتم الزواج. وهو زواج قائم على أسس التوافق الاجتماعي المتعارف عليها بين الناس ولا يوجد دور إيجابي للطرفين الشريكين فيه غير القبول أو الرفض لما يفترضه الآخرون.







7. العائلي: وهو زواج بقصد لمِّ الشمل العائلي أو اتباع تقاليد معيّنة مثل أن يتزوج الشاب ابنة عمه أو ابنة خاله, أو أن يتزوج الشخص من قبيلته دون القبائل الأخرى.







8. الديني: وهو اختيار يتم بناءاً على اعتبارات دينية أو الانتماء لنفس طائفته أو جماعته التي ينتسب إليها.



وهذا الاختيار يؤيّده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".







9. العشوائي: في هذه الحالة نجد الفتاة مثلاً قد فاتها قطار الزواج لذلك تقبل أي زيجة حتى لا تطول عنوستها.







10. المتكامل (متعدد الأبعاد): وفيه يراعي الشخص عوامل متعددة لنجاح الزواج؛ حيث يشتمل على الجانب العاطفي والجانب العقلي والجانب الجسدي والجانب الاجتماعي والجانب الديني.. إلخ. وهذا هو أفضل أنماط الاختيار حيث يقوم الزواج على أعمدة متعددة.



**************************







وبعض الناس يقولون إن عامل الدين هو العامل الوحيد الذي يجب أن يقوم عليه الزواج؛ وذلك مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك".







وهذا الحديث الشريف أعطى أهمية أكبر لذات الدين؛ فارتباط المرأة أو الرجل بالدين، يعني ارتباطها بالله وتقديسها له, وينتج عن هذا التقديس احترام لإنسانية الإنسان وكرامته؛ لأنه أكرمُ مخلوقاتِ الله, واحترام للحياة والحفاظ عليها؛ لأنها نعمة من الله تعالى.. وبالتالي تُبنى الحياة الزوجية على مفهوم القداسة ومفهوم الاحترام ومفهوم الكرامة ومفهوم السكن ومفهوم المودّة والرحمة, وكل هذه المفاهيم عوامل نجاح للحياة الزوجية, أما من تُسقِط هذه الاعتبارات من الحياة الزوجية؛ فالحياة معها تكون في غاية الصعوبة.







ومع هذا لا نغفل بقية الجوانب، والتي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى فقال: "خير النساء من إذا نظرت إليها سرّتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا أقسمت عليها أبرّتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" [ رواه النسائي وغيره بسند صحيح].







ونلحظ أن هذا الحديث بدأ بالمنظر السار للمرأة ثم أكمل ببقية الصفات السلوكية. وقد خطب المغيرة بن شعبة امرأة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" (أي تدوم صحبتكما). [رواه الترمذي].



والنظر هنا يختص بالناحية الجمالية وناحية القبول والارتياح الشخصي والتآلف الروحي.







وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أم سليم إلى امرأة فقال: "انظري إلى عرقوبها وشمي معاطفها"، وفي رواية "شمي عوارضها" [رواه أحمد والحاكم والطبراني والبيهقي].



ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بزواج جابر بن عبد الله من امرأة ثيب قال له: "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" [متفق عليه].







من كل هذه الأحاديث نفهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل عامل الدين والأخلاق عاملاً مهماً جداً ومؤثراً في الاختيار ومع ذلك لم يُسقط العوامل الأخرى التي يقوم عليها الزواج بما في ذلك العوامل الجسدية.







الحب من أول نظرة





سرّ الانجذاب السريع لبعض الأشخاص، يرجع إلى الاحتمالات التالية منفردة أو مجتمعة:



الخبرات المبكرة في الحياة؛ حيث ارتبطت في أذهاننا صور بعض الأشخاص الذين ربطتنا بهم ذكريات سارة أو قاموا برعايتنا؛ لذلك حين نقابل أحداً يشترك في بعض صفاته مع أولئك الذين أحببناهم؛ فإننا نشعر ناحيته بالانجذاب, وهذا الشعور يكون زائفاً في كثير من الأحيان؛ فليس بالضرورة أن يحمل الشخص الجديد كل صفات المحبوب القديم بل ربما يتناقض معه أحياناً رغم اشتراكهما في بعض الصفات الظاهرة.





قد يكون الانجذاب سريعاً وخاطفاً ولكنه قام على أساس اكتشاف صفة هامة وعميقة في المحبوب, وهذه الصفة لها أهمية كبيرة لدى المحب وهو يبحث عنها من زمن، وحين يجدها ينجذب إليها، وقد تكون شخصية المحبوب محققة لذلك التوقع وقد لا تكون كذلك.





وهذه هي أهمية اللقاء الأول والذي يحدث فيه ارتياح وقبول وأُلفة أو العكس بناء على البرمجة العقلية السابقة والصور الذهنية المخزونة في النفس.. واللقاءات التالية إما أنها تؤكد هذا اللقاء الأول أو تعدّله أو تُلغيه.







الحب والعناد



حين يستحكم الحب من شخص فإنه يكون في غاية العناد فلا يستطيع سماع نصيحة من أحد ولا حتى سماع صوت عقله؛ فهو يريد أن يعيش حالة الحب في صفاء حتى ولو كان مخدوعاً؛ فلذة الحب لديه تفوق أية اعتبارات منطقية, وكلما زادت مواجهة هذا المحب كلما زاد إصراره, ولذلك من الأفضل أن يُترك دون ضغوط ليرى بنفسه من خلال المعايشة الحقيقية (خطوبة مثلاً) أن في محبوبه عيوباً لم يكن يدركها في حالة سكره وعناده, وبالتالي يستطيع هو تغيير رأيه بنفسه, أي أننا ننقل المسئولية إليه (أو إليها) حتى يفيق من سكرة الحب ويخرج من دائرة العناد.







وهذا الموقف نقابله كثيراً لدى الشباب حيث يصرّ أحدهم على شخص معين بناءاً على عاطفة حب قوية وجارفة ولا يستطيع رؤية أي شيءٍ آخر, وتفشل كل المحاولات لإقناعه (أو إقناعها), وكلما زادت محاولات الإقناع كلما زاد العناد, ويصبح الأمر صراع إرادات تختفي خلفه عيوب المحبوب وتضعف بصيرة الحبيب إلى أقصى درجة, والحل الأمثل في مثل هذه الحالات هو الكف عن محاولات الإقناع، وهذا لا يعني عدم إبداء النصيحة الخالصة للطرف المخدوع, وترك الطرف المخدوع والمستلب -تحت وهم الحب- يخوض التجربة بنفسه (أو بنفسها) من خلال إعلان الأهل قبولهم للأمر؛ رغم معرفتهم بآثاره السلبية.. وهنا ومن هذه النقطة تبدأ الحقائق تتكشف رويداً رويداً أمام الطرفين في فترة التعارف أو مقدمات الخطوبة أو في فترة الخطوبة ذاتها وفي أغلب الأحوال يراجع الطرف المخدوع نفسه كلياً أو جزئياً وربما تراجع عن هذا الأمر.







وفي حالة عدم التراجع فالأفضل للأهل أن يقبلوا هذا الأمر الواقع بعد إبداء النصيحة اللازمة وليتحمل الطرف المُصرّ على ذلك مسئوليته, وفي هذه الحالة سوف تكون هناك خسائر ولكنها ستكون أقل بكثير من اتخاذ الأهل موقف عناد مقابل.







الاحتياج أساس مهم للعلاقة الزوجية



والاحتياج هنا كلمة شاملة لكل أنواع الاحتياج الجسدي والعاطفي والعقلي والاجتماعي والروحي؛ ولذلك فالذين لا يحتاجون لا ينجحون في زواجهم, فالأناني يفشل والبخيل يفشل والنرجسي يفشل والمصلحي يفشل لأنهم لا يشعرون بالاحتياج الدائم لطرف آخر, أو أن احتياجاتهم سطحية نفعية مؤقتة.







أصحاب التجارب السابقة



هناك اعتقاد بأن صاحب التجربة السابقة في الزواج (أو صاحبتها) يكون أقرب للنجاح في علاقته الزوجية نظراً لخبرته ودرايته, ولكن هذا غير صحيح؛ فالزواج علاقة ثنائية شديدة الخصوصية في كل مرة, ونتائج الخبرة السابقة لا يصلح تطبيقها مع الشريك الحالي لأن كل إنسان له احتياجاته الخاصة به؛ بل على العكس قد تكون الخبرة السابقة عائقاً في التواصل مع الشريك الحالي حيث يعتقد صاحب الخبرة أن عوامل النجاح أو الفشل في التجربة السابقة يمكن تعميمها في العلاقة الحالية وهذا غير صحيح, وربما يحمل صاحب الخبرة مشاعر سلبية من الطرف السابق يسقطها على الطرف الحالي دون ذنب وربما هذا يجعلنا نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين علم بزواج جابر بن عبد الله من امرأة ثيب فقال له: "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" [متفق عليه].







فالزوجان اللذان يبدآن حياتهما كصفحة بيضاء أقرب للتوافق من زوجين يحمل أحدهما أو كليهما ميراث سابق ربما يعوق التوافق الزوجي ويشوّش على الموجات الجديدة.







وأخيراً هذه كانت علامات على الطريق يسترشد بها المُقدمون على الزواج أو آباؤهم وأمهاتهم أخذاً بالأسباب الممكنة؛ ولكن في النهاية نسأل الله التوفيق لشريك يرعى الله في شريكته، وينطبق عليه ما ورد أن جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: يا أبا سعيد: إن عندي بنتاً كثُر خطابها؛ فمن ترى أزوّجها؟ قال: يا ابن أخي زوّجها من يخاف الله ويتقيه؛ فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.





فيما يلي أهم أنماط الاختيار الزوجي التي يتّبعها الناس وليس بالضرورة أن يلتزم المختارون أحد هذه الأنماط منفرداً؛ بل قد يختار الشخص بأكثر من نمط, وكلما تعددت وسائل الاختيار وأنماطه؛ كلما كان أقرب إلى التوازن؛ خاصة إذا كان ملتزماً بالأنماط الصحيّة في الاختيار.







1. العاطفي: وفيه يكون الاختيار قائماً على عاطفة حب قوية لا تخضع للعقل ولا للمنطق، والشخص هنا يعتقد أن الحب -وحده- كفيل بحلّ كل المشاكل، وكفيل ببناء حياة زوجية سعيدة، وبالتالي يكون غير قادر على سماع أو تفهّم نصائح الآخرين له, ويكون شديد العناد في الدفاع عن اختياره على الرغم من وجود عقبات منطقية كثيرة تؤكد عدم التوافق في الزواج، وكلما زادت محاولات إقناع هذا الشخص -رجلاً كان أو امرأة- كلما ازداد إصراراً وعناداً, ولا يوجد حل في هذه الحالة غير ترك الشخص يخوض التجربة بنفسه بحيث يسمح له بالخطبة (وينصح في هذه الأحوال بإطالة فترة التعارف أو الخطبة)، ثم تتكشف له عيوب الطرف الآخر إلى أن يعاني منها, وهنا فقط يمكن أن يتراجع.







2. العقلاني: وهو يقوم على حسابات منطقية لخصائص الطرف الآخر, وبالتالي يخلو من الجوانب العاطفية.







3. الجسدي: ويقوم على الإعجاب بالمواصفات الشكلية للطرف الآخر مثل جمال الوجه أو جمال الجسد.







4. المصلحي: وهو جواز يهدف إلى تحقيق مصلحة مادية أو اجتماعية أو وظيفية من خلال الاقتران بالطرف الآخر. وهذا الاختيار يسقط تماماً إذا يئس صاحبه من تحقيق مصلحته أو إذا استنفد الطرف الآخر أغراضه.







5. الهروبي: وفي هذا النمط نجد الفتاة مثلاً تقبل أي طارق لبابها هرباً من قسوة أبيها أو سوء معاملة زوجة أبيها أو أخيها الأكبر, ولذلك لا تفكّر كثيراً في خصائص الشخص المتقدم لها بقدر ما تفكّر في الهروب من واقعها المؤلم.







6. الاجتماعي: وهذا الاختيار يقوم أساساً على رؤية المحيطين بالطرفين من أهل وأصدقاء؛ حيث يرون أن هذا الشاب مناسب لهذه الفتاة فيبدءون في التوفيق بينهما حتى يتم الزواج. وهو زواج قائم على أسس التوافق الاجتماعي المتعارف عليها بين الناس ولا يوجد دور إيجابي للطرفين الشريكين فيه غير القبول أو الرفض لما يفترضه الآخرون.







7. العائلي: وهو زواج بقصد لمِّ الشمل العائلي أو اتباع تقاليد معيّنة مثل أن يتزوج الشاب ابنة عمه أو ابنة خاله, أو أن يتزوج الشخص من قبيلته دون القبائل الأخرى.







8. الديني: وهو اختيار يتم بناءاً على اعتبارات دينية أو الانتماء لنفس طائفته أو جماعته التي ينتسب إليها.



وهذا الاختيار يؤيّده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".







9. العشوائي: في هذه الحالة نجد الفتاة مثلاً قد فاتها قطار الزواج لذلك تقبل أي زيجة حتى لا تطول عنوستها.







10. المتكامل (متعدد الأبعاد): وفيه يراعي الشخص عوامل متعددة لنجاح الزواج؛ حيث يشتمل على الجانب العاطفي والجانب العقلي والجانب الجسدي والجانب الاجتماعي والجانب الديني.. إلخ. وهذا هو أفضل أنماط الاختيار حيث يقوم الزواج على أعمدة متعددة.



**************************







وبعض الناس يقولون إن عامل الدين هو العامل الوحيد الذي يجب أن يقوم عليه الزواج؛ وذلك مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك".







وهذا الحديث الشريف أعطى أهمية أكبر لذات الدين؛ فارتباط المرأة أو الرجل بالدين، يعني ارتباطها بالله وتقديسها له, وينتج عن هذا التقديس احترام لإنسانية الإنسان وكرامته؛ لأنه أكرمُ مخلوقاتِ الله, واحترام للحياة والحفاظ عليها؛ لأنها نعمة من الله تعالى.. وبالتالي تُبنى الحياة الزوجية على مفهوم القداسة ومفهوم الاحترام ومفهوم الكرامة ومفهوم السكن ومفهوم المودّة والرحمة, وكل هذه المفاهيم عوامل نجاح للحياة الزوجية, أما من تُسقِط هذه الاعتبارات من الحياة الزوجية؛ فالحياة معها تكون في غاية الصعوبة.







ومع هذا لا نغفل بقية الجوانب، والتي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى فقال: "خير النساء من إذا نظرت إليها سرّتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا أقسمت عليها أبرّتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" [ رواه النسائي وغيره بسند صحيح].







ونلحظ أن هذا الحديث بدأ بالمنظر السار للمرأة ثم أكمل ببقية الصفات السلوكية. وقد خطب المغيرة بن شعبة امرأة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" (أي تدوم صحبتكما). [رواه الترمذي].



والنظر هنا يختص بالناحية الجمالية وناحية القبول والارتياح الشخصي والتآلف الروحي.







وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أم سليم إلى امرأة فقال: "انظري إلى عرقوبها وشمي معاطفها"، وفي رواية "شمي عوارضها" [رواه أحمد والحاكم والطبراني والبيهقي].



ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بزواج جابر بن عبد الله من امرأة ثيب قال له: "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" [متفق عليه].







من كل هذه الأحاديث نفهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل عامل الدين والأخلاق عاملاً مهماً جداً ومؤثراً في الاختيار ومع ذلك لم يُسقط العوامل الأخرى التي يقوم عليها الزواج بما في ذلك العوامل الجسدية.







الحب من أول نظرة





سرّ الانجذاب السريع لبعض الأشخاص، يرجع إلى الاحتمالات التالية منفردة أو مجتمعة:



الخبرات المبكرة في الحياة؛ حيث ارتبطت في أذهاننا صور بعض الأشخاص الذين ربطتنا بهم ذكريات سارة أو قاموا برعايتنا؛ لذلك حين نقابل أحداً يشترك في بعض صفاته مع أولئك الذين أحببناهم؛ فإننا نشعر ناحيته بالانجذاب, وهذا الشعور يكون زائفاً في كثير من الأحيان؛ فليس بالضرورة أن يحمل الشخص الجديد كل صفات المحبوب القديم بل ربما يتناقض معه أحياناً رغم اشتراكهما في بعض الصفات الظاهرة.





قد يكون الانجذاب سريعاً وخاطفاً ولكنه قام على أساس اكتشاف صفة هامة وعميقة في المحبوب, وهذه الصفة لها أهمية كبيرة لدى المحب وهو يبحث عنها من زمن، وحين يجدها ينجذب إليها، وقد تكون شخصية المحبوب محققة لذلك التوقع وقد لا تكون كذلك.





وهذه هي أهمية اللقاء الأول والذي يحدث فيه ارتياح وقبول وأُلفة أو العكس بناء على البرمجة العقلية السابقة والصور الذهنية المخزونة في النفس.. واللقاءات التالية إما أنها تؤكد هذا اللقاء الأول أو تعدّله أو تُلغيه.







الحب والعناد



حين يستحكم الحب من شخص فإنه يكون في غاية العناد فلا يستطيع سماع نصيحة من أحد ولا حتى سماع صوت عقله؛ فهو يريد أن يعيش حالة الحب في صفاء حتى ولو كان مخدوعاً؛ فلذة الحب لديه تفوق أية اعتبارات منطقية, وكلما زادت مواجهة هذا المحب كلما زاد إصراره, ولذلك من الأفضل أن يُترك دون ضغوط ليرى بنفسه من خلال المعايشة الحقيقية (خطوبة مثلاً) أن في محبوبه عيوباً لم يكن يدركها في حالة سكره وعناده, وبالتالي يستطيع هو تغيير رأيه بنفسه, أي أننا ننقل المسئولية إليه (أو إليها) حتى يفيق من سكرة الحب ويخرج من دائرة العناد.







وهذا الموقف نقابله كثيراً لدى الشباب حيث يصرّ أحدهم على شخص معين بناءاً على عاطفة حب قوية وجارفة ولا يستطيع رؤية أي شيءٍ آخر, وتفشل كل المحاولات لإقناعه (أو إقناعها), وكلما زادت محاولات الإقناع كلما زاد العناد, ويصبح الأمر صراع إرادات تختفي خلفه عيوب المحبوب وتضعف بصيرة الحبيب إلى أقصى درجة, والحل الأمثل في مثل هذه الحالات هو الكف عن محاولات الإقناع، وهذا لا يعني عدم إبداء النصيحة الخالصة للطرف المخدوع, وترك الطرف المخدوع والمستلب -تحت وهم الحب- يخوض التجربة بنفسه (أو بنفسها) من خلال إعلان الأهل قبولهم للأمر؛ رغم معرفتهم بآثاره السلبية.. وهنا ومن هذه النقطة تبدأ الحقائق تتكشف رويداً رويداً أمام الطرفين في فترة التعارف أو مقدمات الخطوبة أو في فترة الخطوبة ذاتها وفي أغلب الأحوال يراجع الطرف المخدوع نفسه كلياً أو جزئياً وربما تراجع عن هذا الأمر.







وفي حالة عدم التراجع فالأفضل للأهل أن يقبلوا هذا الأمر الواقع بعد إبداء النصيحة اللازمة وليتحمل الطرف المُصرّ على ذلك مسئوليته, وفي هذه الحالة سوف تكون هناك خسائر ولكنها ستكون أقل بكثير من اتخاذ الأهل موقف عناد مقابل.







الاحتياج أساس مهم للعلاقة الزوجية



والاحتياج هنا كلمة شاملة لكل أنواع الاحتياج الجسدي والعاطفي والعقلي والاجتماعي والروحي؛ ولذلك فالذين لا يحتاجون لا ينجحون في زواجهم, فالأناني يفشل والبخيل يفشل والنرجسي يفشل والمصلحي يفشل لأنهم لا يشعرون بالاحتياج الدائم لطرف آخر, أو أن احتياجاتهم سطحية نفعية مؤقتة.







أصحاب التجارب السابقة



هناك اعتقاد بأن صاحب التجربة السابقة في الزواج (أو صاحبتها) يكون أقرب للنجاح في علاقته الزوجية نظراً لخبرته ودرايته, ولكن هذا غير صحيح؛ فالزواج علاقة ثنائية شديدة الخصوصية في كل مرة, ونتائج الخبرة السابقة لا يصلح تطبيقها مع الشريك الحالي لأن كل إنسان له احتياجاته الخاصة به؛ بل على العكس قد تكون الخبرة السابقة عائقاً في التواصل مع الشريك الحالي حيث يعتقد صاحب الخبرة أن عوامل النجاح أو الفشل في التجربة السابقة يمكن تعميمها في العلاقة الحالية وهذا غير صحيح, وربما يحمل صاحب الخبرة مشاعر سلبية من الطرف السابق يسقطها على الطرف الحالي دون ذنب وربما هذا يجعلنا نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين علم بزواج جابر بن عبد الله من امرأة ثيب فقال له: "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" [متفق عليه].







فالزوجان اللذان يبدآن حياتهما كصفحة بيضاء أقرب للتوافق من زوجين يحمل أحدهما أو كليهما ميراث سابق ربما يعوق التوافق الزوجي ويشوّش على الموجات الجديدة.







وأخيراً هذه كانت علامات على الطريق يسترشد بها المُقدمون على الزواج أو آباؤهم وأمهاتهم أخذاً بالأسباب الممكنة؛ ولكن في النهاية نسأل الله التوفيق لشريك يرعى الله في شريكته، وينطبق عليه ما ورد أن جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: يا أبا سعيد: إن عندي بنتاً كثُر خطابها؛ فمن ترى أزوّجها؟ قال: يا ابن أخي زوّجها من يخاف الله ويتقيه؛ فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.

0 التعليقات

إرسال تعليق