| 0 التعليقات ]

السؤال من سارة:
السلام عليكم ورحمة الله.. بارك الله فيكم على هذا الجهد المبارك وجزاكم عن المسلمين خيرا كثيرا.
أنا طبيبة، أبلغ من العمر 28عاما، ذات دين وجمال، تقدم إلي العديد من الخطاب وكنت أرفض لأسباب تافهة.
منذ سنتين تقدم لخطبتي شاب أكبر مني بسنتين، عندما رأيته للمرة الأولى لم أشعر بميل نحوه -من ناحية المظهر- إلا أن أهلي معجبون بأخلاقه ووظيفته، وخوفا من إحراج أهلي دعوت الله كثيرا أن لا يكون من نصيبي، فاستجاب الله لي واتصل بعد 3 أيام ليخبرنا أن والدته ترفض أن يرتبط بي، ففرحت كثيرا لهذا القرار.

لكنني الآن نادمة جدا لأنني دعوت الله أن لا يكون من نصيبي دون أن أصلي الاستخارة، وأفكر في أن الله ربما يعاقبني لأنني لم أستخره، بل سألته ما ليس لي به علم، خصوصا أن من يتقدم لي الآن -سواء أكبر مني بـ7 سنوات أو أكثر مع مستوى تعليم عال أو غيرهم- أقل مني كفاءة في التعليم والوظيفة مع فارق سن يقدر بعامين أو ثلاث.

فهل أذنبت بسؤالي الله أن يبعده؟ وكيف أتوب من هذا الذنب؟

هذه الأيام تقدم لي طبيب يكبرني بـ8سنوات، ويعمل في المهجر، ويشهد له الكل بأخلاقه، هل أقبله مع فارق السن، أو أتزوج موظفا بسيطا أكبر مني بسنتين فقط؟

هل أقبله مع فارق السن؟

أنا مترددة، كنت أتمنى شابا مع فارق سن كبير، ولما جاءني أصبحت أنظر إلى الشباب الصغير وأنا نادمة على كل من رفضتهم.

حائرة بين العمر والكفاءة، ونادمة على رفضي بدون مبرر في الماضي.

أفيدوني جزاكم الله خيرا، وفرجوا كربتي فرج الله عنكم كرب الدنيا والآخرة.


الجواب:


لا أعتقد أن من الحكمة أن ينطلق الحكم على من سوف نختاره شريك حياتنا، فقط من عمره أو مهنته أو شهادته، فهذا ليس تقييما كافيا للموافقة أو الرفض، فإذا كان التقارب في العمر والمهنة والشهادة أمر يمكن من خلاله توقع استقرار الزوجين في حياتهما المشتركة، فإن المجال الذي يضم هذا التقارب بأشكاله -العمرية والمهنية والثقافية- مجال واسع جدا، وكذلك فإن التوقع بنجاح واستمرار الزواج كثيرا ما يدخل في خانة التنبؤ الذي يصدق أو لا يصدق، هذا في حال تكاملت عناصر الاختيار بين العقل والقلب، أما إذا كانت الحال كما هي عندك منحازة للعقل ومتجاهلة لأمر القلب، فإن الحالة تصبح أصعب بكثير.

هذا ما تدل عليه نهاية رسالتك إذ تقولين إنك حائرة بين العمر والكفاءة.. ونادمة على رفضك للشاب الأول، مع أنك في بدايتها أخبرتنا أنك لم تشعري بالميل له بسبب المظهر، ومعنى ذلك أن قلبك رفضه من المشاهدة الأولى، فلماذا تندمين على قرار شارك فيه القلب؟!

أما ظنك أن الله سمع دعاءك وعاقبك لأنك لم تقومي بالاستخارة وتوكيل الأمر له، فالله أعلم بمراده، وإن كان من الأفضل لو اعتقدت أن لله سبحانه حكمة خافية، بدل أن تسيئي الظن بالله وتدخلي في دوامة الشعور بالذنب.

والذي أعلمه هو أن الاختيار الصحيح يبدأ من التفكير السليم والاستشارة الحكيمة، ويقوم على توازي القناعة العقلية مع الرضا القلبي، ثم يأتي دور الاستخارة قبل العزم النهائي على السلوك والعمل، فالتفكير والاستشارة والتوافق القلبي والعقلي يقوم مقام الأخذ بالأسباب، ثم نكل الأمر إلى الله سبحانه ونستخيره في الزواج وغيره.

لذلك من وجهة نظري أنت لم تذنبي، لكنك اقترفت خطأ، وهو أنك لم تعطي نفسك فرصة للشعور بالميل لذلك الشاب، وأنا لا أقول لك هذا لتزيدي من ندمك، إنما كي تحسني من كيفية اختيارك لأي متقدم آخر، فمع أن الانطباع الأول مهم في أي لقاء، لكن يجب ألا يكون هذا الانطباع عائقا يحول بيننا وبين المرونة والحكمة في الوصول للقرار؛ وأنت لم تذكري ما هو المظهر الذي جعلك تنفرين من ذلك الشاب: هل كان غير جميل أم إن هندامه لم يكن جيدا أم كان لديه عيب جسدي واضح؟ يجب أن تكوني صريحة مع نفسك فتسأليها إن كان يهمها الجمال إلى حد كبير، علما أنه من حقك أن تهتمي بالزواج من رجل دون عيب خلقي واضح، أما موضوع الثياب والهندام والمظهر الخارجي فأخبرك أن للزوجة دورا كبيرا في أناقة زوجها.

تسألين عن هذا الشاب المتقدم لك حاليا وتقولين إنه كبير بالنسبة لك، لكن أنت يا عزيزتي لم تعودي صغيرة، بل أنت على أعتاب العنوسة، وفارق 8 سنوات لا يعني شيئا مهما، فالفارق بين الزوجين يمكن أن يتراوح من صفر إلى 15 سنة لحساب الزوج، وذلك حسب المرحلة العمرية، دون أن يشكل ذلك عائقا في التقائهما الروحي والجسدي، فالشابة الصغيرة بنت العشرين يناسبها فارق 2 - 5 سنوات، أما في عمرك فلا مانع أن يصل لحد عشر سنوات، والتي تجاوزت الأربعين يمكن أن يصل الفارق بينها وبين زوجها إلى خمسة عشر عاما، وعموما يفضل أن يكون الرجل أكبر من المرأة، وحتى هذه القاعدة فلها بعض الاستثناءات الناجحة.

تمنيت لو أنك أوضحت لماذا بدأت تنظرين إلى الشباب الصغير، فهل هذا المتقدم لك يبدو فوق الأربعين مثلا؟ أم أن خشيتك من فارق 8 سنوات ليس لها مبرر سوى بعض الهواجس التي تجعلك مترددة في اتخاذ القرار ونادمة على من فرطت بهم؟

اعلمي يا عزيزتي أن من حسن إيمانك بالقضاء والقدر ألا تندمي على ما فات، فلو كان لك نصيب في أحد ممن تقدموا لك سابقا لكنت الآن متزوجة، فلا تتركي باب (لو) مفتوحا لأنها من عمل الشيطان كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل).

مع كل ما قلته لك فأنت صاحبة القرار، وأنت أدرى مني بما يصلح لك، لكن أنصحك بأن تطرحي على نفسك أسئلة واضحة: هل تستطيعين العيش مع رجل أقل منك مكانة ووظيفة ومرتبا؟ وهل سوف تشعرين بقوامة هذا الرجل عليك إذا كان سيعتمد عليك في الإنفاق مثلا؟

أستطيع أن أقول لك: إن قوامة الرجل على المرأة تتطلب أن يكون أكثر وعيا منها وخبرة في الحياة، وأن يكون مورده هو الأساس في الإنفاق على البيت، وقد علمتني الحياة أن العلاقة الزوجية تكون أكثر جمالا وأشد استقرار كلما تحقق هذان البندان، وبما أن هذا الرجل المتقدم لك حاليا كذلك، خاصة مع وجود من يشهد بحسن أخلاقه، فأقترح عليك أن تنظري في أمر الزواج منه مع البحث عن أسس أخرى لإنجاح شراكة الحياة المستقبلية، كالاتفاق في أكثر الأمور والاختلاف في أقلها.

إن أعجبك هذا الاقتراح الأخير، فأحذرك من الاستعجال، خصوصا أنه قد يكون متعجلا بحكم سنه وكذلك بحكم غربته، فطبيعتك المترددة قد تحوي جانبا إيجابيا لها وهو الحذر من الدخول في مغامرة غير محسوبة العواقب، لذلك فقد تكون الخطبة 3 أشهر وعقد قران 3 أشهر، مع تواصل فعلي وجها لوجه لمدة لا تقل عن الشهر والشهرين، هو أفضل ما يوصلك إلى قرار صحيح، ومع تمنياتي لك بالتوفيق وتابعينا بأخبارك.


0 التعليقات

إرسال تعليق