| 0 التعليقات ]

البويضات والحيوانات المنوية ليست سوى المواد الأولية الخام في صناعة الحياة، وما دام أصبح بالإمكان استيرادها وتصديرها والتعامل بها في أسواق البشر فمن الممكن أن نصنع منها طفلا مميزا‏.‏..!!!تعرض هذه الجملة باختصار الفلسفة التي تقوم عليها بنوك السائل المنوي والبويضات والأجنة التي انتشرت انتشارا واسعا في أوروبا وأمريكا في الفترة الأخيرة، فمع غياب العقيدة الدينية أو على الأقل عدم احترامها نشأت تجارة بيع الحيوانات المنوية مثلها مثل أي سلعة تباع وتشترى،‏ فيمكن للرجل أن يذهب إلى أحد بنوك حفظ الحيوانات المنوية ويكتب مواصفاته الجسدية والشكلية، ولا يكتب اسمه حتى لا تكون هناك ملاحقة قانونية له فيما بعد‏،‏ وفي المقابل على أي امرأة تريد الإنجاب أن تذهب إلى هذه البنوك وتأخذ ما يتماشى مع الخصائص التي تريدها في مولودها القادم‏،‏ وبتسعيرة قد تزيد أو تنقص طبقا لجودة البضاعة ومستوى الفرز..!.
بريطانية تحطم الأسعار
في مؤشر إلى النجاح الذي تحققه هذه البنوك ذكر أولي شو، رئيس بنك"كريوس" وهو أكبر بنك للسائل المنوي في العالم بالدنمارك -بحسب وكالة الأنباء الفرنسية- أن عدد الواهبين تضاعف عام 2008 ثلاث مرات؛ حيث قفز من ثلاثين إلى مائة في اليوم مقابل 80 يورو في المرة الواحدة، وأن الجدد منهم بلغ عددهم نحو الألف مقابل 350 في 2007. الأمر الذي جعله يقوم بفتح فروع جديدة في نيويورك ومومباي في الهند، وبانتظار أن يتوسع في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأستراليا.
ومع هذا الإقبال المتزايد والرغبة المستعرة لجني أرباح طائلة، عمد أصحاب هذه البنوك الشيطانية لتطوير الفكرة وجذب المزيد من الزبائن، فعمدوا لشراء النطف من المتميزين في المجتمع كلاعب مشهور، أو مغن ذائع الصيت، أو الفائزين في مسابقة كمال الأجسام، وقاموا أيضا بشراء بويضات النساء المتميزات كملكات الجمال والمودلز والراقصات المشهورات، وحتى لا يتعرض العملاء للملاحقة القانونية تحتفظ البنوك بالبيانات سرية إلى أن يولد الجنين، ثم يقومون بحرق جميع المعلومات المتعلقة بالمتبرع، ويمكن للراغبين في شراء طفل المستقبل اختيار النطفة أو البويضة أو كليهما معا (ادخارا للجهد وللحصول على منتج أفضل)، وتحديد المواصفات التي يرغبون أن يتمتع مولودهم بها وإجراء التلقيح.. وكله بثمنه!.
ولعل في قصة السيدة الأمريكية هارلي بويجل تجسيدا واضحا لهذا المبدأ الغريب الذي ترفضه الفطرة ولا يقره دين، فبعد أن بلغت الزوجة العقيم 50 عاما قامت بشراء ‏15‏ بويضة من طالبة جامعية بريطانية تدرس العلوم في جامعة بريطانية راقية، اعتبرتها هارلي صفقة العمر فقد حصلت عليها مقابل ‏5‏ آلاف جنيه إسترليني فقط (ودون فصال)، في الوقت الذي تبيع فيه الأمريكيات نفس العدد من بويضاتهن بسعر يصل لـ‏25‏ ألف جنيه إسترليني علي الأقل أو ما يعادلها بالدولار‏.
تقول هارلي‏‏ لقد اكتمل حلمي عندما نجحت في إقناع زوجي بألا يعتمد على مخزونه من الحيوانات المنوية، وأن يشتريها من أحد البنوك في شيكاغو؛ حيث إن ثمنها هناك أقل بكثير من ثمن البويضات فلا يتعدى ‏2000‏ دولار فقط!.
سحب وإيداع
وتقوم هذه البنوك بفتح حساباتها للراغبين على وجهين الأول: حسابا خاصا وهو الذي يفتحه عميل واحد بالذات يرغب في حفظ نطفه لاستعمالها في المستقبل أيام شيخوخته، أو يهبها لأحد أولاده أو أحفاده إذا كان لديه عقم لينجب الابن أخاه والحفيد عمه مقابل مبلغ مالي محدد يدفعه كرسم افتتاح الحساب .
والثاني: يكون حسابا تجاريا عاما، وهو الذي تحفظ فيه نطف المتبرعين، ليبيعها المصرف إلى الراغبين أو الراغبات مقابل مبلغ مالي حسب نوع المني.
وكانت تقارير تحدثت في عام 2004 عن ولادة طفل بريطاني في مستشفى سان ماري في مدينة مانشستر، بعد أن كانت أمه قد حملت به باستعمال نطفة عمرها 21 عاما، وقال الأطباء حينها إن عمر النطفة سجَّل رقما قياسيا.
وقد أُخذت تلك النطفة من الأب عندما كان في السابعة عشرة من عمره قبل أن تجرى له عملية جراحية لمعالجة السرطان مما جعله عقيما. وجُمِّدت النطفة إلى أن تزوج الرجل ورغب بأن يكون له أولاد، وتمت العملية حينها بتذويب الجليد الموجود على النطفة، ومن ثم تلقيح بويضة الزوجة بها، فحملت بعد أربع محاولات.
أيضا استطاعت امرأة أمريكية الحصول على حكم بأحقية الحصول على السائل المنوي المأخوذ من خطيبها الذي تُوفِّي قبل أيام من محكمة الدولة العليا بنيويورك، وكانت جيزيلا ماريرو قد أبلغت محكمة برونكس بأن شريكها فاتحها بموضوع إنجاب طفل منها، وذلك قبل يوم واحد فقط من وفاته بسبب ما يُشتبه بأنه كان سكتة قلبية.
وبما أن الشريكين لم يكونا متزوجين، فقد احتاجت ماريرو إلى استصدار حكم محكمة لكي تتمكن من المضي قُدُما بمشروعها، الأمر الذي أتاحته لها المحكمة بمنحها الحق بالحصول على نطاف خطيبها قبل أربع ساعات فقط من انقضاء مهلة صلاحية السائل المنوي، ليتم التلقيح صناعيا وتنجب الخطيبة طفلها من الخطيب المرحوم!
عبث بالإنسانية
وكما نرى فإن هذه البنوك خلقت فوضى عارمة في تضييع نسب الإنسان، ومن الضرورات التي عظمتها الشريعة حفظ الأنساب، وقد ذكرت المصادر الغربية أن بنوك المني تستخدم نطف رجل واحد لتلقيح مائة امرأة، وأن هناك حالات تكون فيها أم الطفل جدته وأخته في وقت واحد.
"هذه الطرق العصرية الشاذة للإنجاب سوف تتقلص أهميتها بصورة كبيرة داخل المجتمع الغربي"، بهذه البشرى بدأ د.مدحت عامر أستاذ أمراض الخصوبة والعقم بكلية الطب جامعة القاهرة‏ حديثه لموقع شباب على طول مؤكدا أنها لن تمثل أهمية سوى لفئة الشواذ كالسحاقيات؛‏ لأن أصعب حالات عقم الرجال تم التغلب عليها، وأنه لن يتم اللجوء إليها إلا لحالات الضرورة القصوى، كأن يكون المريض معرضا لفقدان الخصيتين أو استئصالهما، مما يكون مهددا بعدم القدرة على الإنجاب مطلقا، وهنا يمكن أخذ عينة من سائله المنوي قبل إجراء عملية الاستئصال ليتم حفظ الحيوان، وفي أي وقت يمكن زراعة هذه الحيوانات في رحم الزوجة لإخصابها، وهذا التصرف في رأيه لا غبار عليه، ومع هذا يعود فيؤكد رفضه أن تتحول هذه الحيوانات المنوية إلى سلع تحت الطلب؛ لأن ذلك مخالف للشريعة الإسلامية وكذلك للعرف والتقاليد والفطرة، فضلا عما يؤديه من انتشار الأمراض الوراثية أو المعدية لما قد تحمله هذه الحيوانات من بعض الفيروسات أو الصفات الوراثية السيئة.
ويؤيده في الرأي د. محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية فيرى -في حديث له بمجلة الأهرام العربي- أن الطفل التفصيل هو بمثابة شهادة نجاح وتفوق لهذه المراكز علميا، متناسين أنهم بذلك يرتكبون جريمة دينية وأخلاقية تهدد المجتمع بأسره، وأن أساس هذه البنوك يتعارض مع أصول الشرع ومبادئ الفطرة؛ حيث يولد أبناء بلا آباء مع العبث بماء الرجل والمرأة، وإحداث مسائل معقدة كما لو حملت الزوجة بلقاح زوجها بعد ربع قرن من الزمان فكيف تنضبط قضية الميراث والحقوق الأخرى؟ ويشير د. عثمان إلى احتمال حدوث مثل ذلك في الدول الإسلامية، ما لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لضبط عمل مراكز الخصوبة وجعل نشاطها محكوما بسياج الشريعة الإسلامية، مشددا على أن القرآن الكريم أوضح أن أقصى مدة يمكن للزوجة أن تنجب فيها بعد وفاة زوجها هي تسعة أشهر، ولو أنجبت بعد مرور أكثر من ذلك فإن طفلها يكون ناتجا عن زنا، وأن طفل الأنبوب يكون جائزا إذا كان من الزوجين فقط، وأثناء قيام العلاقة الزوجية، وفي رحم الزوجة، وإذا اختل أحد الأركان الأربعة كان محرما، وهذا هو الحاصل في هذه البنوك.
ويؤكد د. عبد الرحمن العدوي الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن هذا العمل يعتبر من العبث الضار بالإنسانية؛ حيث يؤدي إلى ضياع نسب الإنسان، كما يؤدي إلى التزاوج بين الرجال والمحرمات من النساء، لأن الرجل أو المرأة التي تنتج من مثل هذه الأعمال لا تعرف لها أبا أو أختا أو عما، وفي ذلك فساد كبير وعبث بالتركيبة الاجتماعية التي يجب أن تقوم على نظام الأسرة والزواج الصحيح الذي أحله الله، والمجتمع الغربي الذي لا يعرف نظام الأسرة ولا العلاقات الأسرية الصحيحة هو بلا شك مجتمع مفكك ويريد تصدير أخلاقياته الفاسدة إلى أمتنا الإسلامية.
ويوضح العدوي في حديثه لموقع عملاق أنه يجب الحذر من مثل هذه الألاعيب الشيطانية، وأن كل حمل بعيدا عن العلاقات الزوجية هو حمل سفاح لا يثبت به نسب شرعي ولا تترتب عليه حقوق، وأن دخول المني لفرج المرأة –غير الزوجة– من الكبائر وهو في حكم الزنا لقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين).
وهكذا نرى أنه في المجتمعات الغربية المتحضرة اختلط الحابل بالنابل، واقترنت الحرية بالفوضى، وهم وإن كانوا أحرارا فيما يتبنون من قيم دينية وأخلاقية واجتماعية, إلا أننا نتمنى ألا يجبرونا على استيراد هذا النمط الشاذ الذي يدمر أنسابنا وتقاليدنا وتاريخنا، والأهم.. هويتنا الإسلامية

0 التعليقات

إرسال تعليق