| 0 التعليقات ]

رسالة إلى كل مسلم ملتزم..


كثر ولله الحمد الملتزمون ولكن.... للأسف لسنا في زمن الصحابة أو التابعين.

شاب أو فتاة قالوا إنهم التزموا فأهملوا في دراستهم وعملهم، حتى أصبحنا في آخر ركب الحضارة - هذا إن كنا قد ركبنا من الأصل- وتركوا العلم الدنيوي الذي أمرنا به الله كما أمرنا بالديني... عذرا فلسنا في زمن الصحابة!

رجل أو امرأة قال إنه التزم أهمل عمله ولم يتقن فيه، تعطلت شئون المسلمين علي يديه ويخرج من بين يديه العمل ناقص لا يليق بملتزم وربما ضاعت الحقوق بسببه... آه... فلسنا في زمن الصحابة!

ابن أو ابنة قال أنه التزم فنهر أبواه وأغضبهم ورفض الجنة التي تحت أقدامهم وحجته أنهم ليسوا بمسلمين ملتزمين مثله ونسي وصية الله بالوالدين، معذرة.... فلسنا في زمن الصحابة!

زوج قال إنه ملتزم فأهمل بيته وقال أن العمل واجب وجاء عمله علي حساب زوجته، يتعصب علي زوجته ولا يتحملها ونسي الإحسان والمودة والرحمة ونسي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم <<رفقا بالقوارير >> ونسي وصيته قبل وفاته << أوصيكم بالنساء خيرا >> بل نسي سيرته - صلي الله عليه وسلم - وأحواله مع زوجاته والتي ظن هذا الزوج أنه تعلمها فهو ملتزم- آسف لقد نسيت...... فلسنا في زمن الصحابة!

زوجة تقول أنها ملتزمة تصر علي حضور الدروس جزاها الله خيرا- ولكنها نسيت واجباتها نحو زوجها، وكانت حجتها أنه لا يريد أن يعينها على طلب العلم، وأخرى زادت طلباتها وزادت ضجرها وذهبت معه بسمة المودة والرحمة وذهبت معه السكينة التي خلق الله الزوجة لتكون سببها ولكنها تصلي وتصوم ولكن زوجها حاله..... دوما يسرح خيالي إلي بعيد..... فلسنا في زمن الصحابة!

أب يقول أنه ملتزم انشغل في عمله وترك ولده في زمن أحاطه الفتن دون أن يرشده لحفظ القرآن ودون مراقبته إن كان يحافظ علي الصلاة أم لا، نعم فكسب المال أصبح صعبا وفي أولوية التفكير!!!، وآخر التزم ابنه ولكن الأب لا يرضي بالتزام الابن إلا أن يكون من نفس نوع التزامه ولا يترك له قدر من المناقشة وحرية التعبير في حدود المسموح به في الدين (نعم فالإلتزام أصبح أنواعا !!!!) فكيف سيخرج الرجل القادر على أخذ القرار إن لم يساعده والده علي ذلك؟ ويــ.... ماذا حدث لعقلي أصبحت أنسي كثيرا... فلسنا في زمن الصحابة!

أم تقول أنها ملتزمة لا تعرف ابنها من يصادق ولا تهتم بفكره ولا تعرف شيئا عن طموحه ومواهبه ونسيت أنها مدرسة تعد جيلا إن صلح صلحت الأمة وإن فسد فسدت الأمة ونسيت السيرة التي تعلمتها عن أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن ونسيت.......


تقريبا أنا الذي أصبحت أنسى فلسنا في زمن الصحابة!! ولكن كيف أنسى والفتن من حولنا حتى صار الحليم في هذا الزمان حيران، فتن كقطع الليل المظلم.


ولكن فتنة الملتزم أصعب فتنه فهو مرآة المسلمين وهو الواجهة التي ينظر إليها الناس ليروا الإسلام وهو الأمل في يوم تنتشر فيه الرحمة والسلام بين الناس.

فاحذروا أيها الملتزمون فهي أمانة في أعناقكم وليست بالكلمة السهلة أن تكون ملتزما واتقي الله وخذ الإسلام كله وليس بعضه وافهم دينك جيدا وتعلم كيف تكون مسلم ملتزم بار بوالديه ورحيم بزوجته ومجتهد ومتقن في عمله وحليم بين الناس ونافع في مجتمعه وتكون زيادة لهذه الدنيا وليس عليها، فليس العيب في زمننا بل العيب فينا،

قال الإمام الشافعي:

نعيـــب زمننـا والعـيب فينا*** وما لزمننــا عيـــب سوانـا

ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب*** ولو نطق الزمان لنـا هـجانا



معذرة............................ فلسنا في زمن الصحابة!!!!

| 0 التعليقات ]

نعمـــــــة الألــــــــم
للكاتب : د/ عائض القرني


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الألم ليس مذموماً دائماً ولا مكروهاً أبداً فقد يكون خيراً للعبد أن يتألم.

إن الدعاء الحار لا يأتي إلا مع الألم والتسبيح الصادق يصاحب الألم وتألم الطالب زمن التحصيل وحمله لأعباء الطلب يثمر عالماً لأنه أحترق في البداية فأشرق في النهاية، وتألم الشاعر ومعاناته لما يقول تنتج أدباً مؤثراً خلاقاً لأنه أنقدح مع الألم من القلب والعصب والدم فهز المشاعر وحرك الأفئدة، ومعاناة الكاتب تخرج نتاجاً حياً جذاباً يمور بالعبر والصور والذكريات.

إن الطالب الذي عاش حياة الدعة والراحة ولم تلدغه الأزمات ولم تكوم الملمات إن هذا الطالب يبقى كسولاً مترهلاً فاتراً، وأن الشاعر الذي ما عرف الألم ولا ذاق المر ولا تجرع الغصص تبقى قصائده ركاماً من رخيص الحديث وكتلاً من زبد القول لأن قصائده خرجت من لسانه ولم تخرج من وجدانه وتلفظ بها فهمه ولم يعشها قلبه وجوانحه.

وأسمى من هذه الأمثلة وأرفع حياة المؤمنين الذين عاشوا فجر الرسالة ومولد الملة وبداية البعث فإنهم أعظم إيماناً وأبر قلوباً وأصدق لهجة وأعمق علماً لأنهم عاشوا الألم والمعاناة، ألم الجوع والفقر والتشريد والأذى والطرد والإبعاد وفراق المألوفات وهجر المرغوبات وألم الجراح والقتل والتعذيب فكانوا بحق الصفوة الصافية والثلة المجتباه، آيات في الطهر وأعلاماً في النبل ورموزاً في التضحية {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

وفي عالم الدنيا أناس قدموا أروع نتاجهم لأنهم تألموا فالمتنبي وعكته الحمى فأنشد رائعته:

وزائـــــــــــرتي كـــأن بــهــا حـــــيــاءً فـــــلـــيــس تـزور إلا فـــــي الظـــلام

والنابغة خوفه النعمان بن المنذر بالقتل فقدم للناس:

فــإنــك شــمــس والمـــــــــــلوك كــواكب إذا طــلعــت لم يــبــد مــنهــن كــوكــب

وكثير أولئك الذين أثروا الحياة لأنهم تألموا.

إذاً لا تجزع من الألم ولا تخف من المعاناة فربما كانت قوة لك ومتاعاً إلى حين فإنك إن تعش مشبوب الفؤاد محروق الجوى ملذوع النفس أرق وأصفى من أن تعيش بارد المشاعر فاتر الهمة خامد النفس {وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}.

ذكرت بهذا شاعراً عاش المعاناة والأسى وألم الفراق وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في قصيدة بديعة الحسن ذائعة الشهرة بعيدة عن التكلف والتزويق إنه مالك الريب يرثي نفسه:

ألــم ترني بعــت الضــلالة بالـهــدى وأصبـحت في جــيـش ابـن عـفـان غــازيــاً
فــلــلــه دري يــوم أتــرك طـائـعـــاً بـنـي بأعــــلى الرقـمتــــــــــــيـــن ومـالــــيـا
فيــا صــاحــبــي رحلي دنـا المــوت فانـــزلا برابيـة إنـي مقــــيـــــــــم ليـالــيـــا
أقــيما عـلي اليــوم أو بــعـض ليـلـة ولا تعـجــــــلانــي قــد تـبـــــــــــيـن مـابـيــا
وخـطا بأطـراف الأســـنة مضـجعــي وردا عــلـى عــيــنــي فــضــــــــل ردائـــيـــا
ولا تحــسداني بـــارك الـلــه فــيكــما مــن الأرض ذات العرض أن تـوســعا ليــــا

إلى آخر ذلك الصوت المتهدج والعويل الثاكل والصرخة المفجوعة التي ثارت حمماً من قلب هذا الشاعر المفجوع بنفسه المصاب في حياته.


إن الوعظ المحترق تصل كلماته إلى شغاف القلوب وتغوص في أعماق الروح لأنه يعيش الألم والمعاناة {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَاَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَاَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}.

لا تعـــذل المشـــــــــتاق فــي أشـــــــــــــواقه حتى يكـــــــــون حشـــــــاك فــــــي أحــشــائـــه

لقد رأينا دواوين لشعراء ولكنها باردة لا حياة فيها ولا روح لأنهم قالوها بلا عناء ونظموها في رخاء فجاءت قطعاً من الثلج وكتلاَ من الطين، ورأينا مصنفات في الوعظ لا تهز في السامع شعرةً ولا تحرك في المنصت ذرةً لأنهم قالوها بلا حرقةٍ ولا لوعةٍ ولا ألمٍ ولا معاناةٍ {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}

فإذا أردت أن تؤثر بكلامك أو بشعرك فاحترق به أنت قبل وتأثر وذقه وتفاعل معه وسوف ترى أنك تؤثر في الناس {فَاِذَا اَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَاَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}

| 0 التعليقات ]

اتقوا الظلم فإن فيه أنواع
للكاتب : د. سعيد عبد العظيم


الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور، إذ هو انحراف عن العدل.

أنـواع الظـلم:
قال البعض: الظلم ثلاثة:

الأول ـ أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى:

وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وإياه قصد بقوله: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18].

الثاني ـ ظلم بينه وبين الناس:

وإياه قصد بقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40]
وبقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 42]

الثالث ـ ظلم بين العبد وبين نفسه:

وإياه قصد بقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} [فاطر: 32]، وقوله على لسان نبيه موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [القصص: 16]، وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه.

قال الذهبي: "الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلمـًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء"، وقد عده من الكبائر، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث التي تتوعد الظالمين، نقل عن بعض السلف قوله: "لا تظلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء"، ثم عدد صورًا من الظلم منها:
أخذ مال اليتيم ـ المماطلة بحق الإنسان مع القدرة على الوفاء ـ ظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة ـ ظلم الأجير بعدم إعطائه الأجر. ومن الظلم البيِّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء
وقد عدها ابن حجر ضمن الكبائر.

وقد وردت النصوص تذم الظلم:

قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً} [الكهف: 59].

وقال سبحانه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76].

وقال: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57].

وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49].

وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].

وقال: {أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} [الشورى: 45]، والآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين ظلم العبد لنفسه، وأن هذا الظلم على نوعين: الشرك، وهو أعظم الظلم كما بينا، والمعاصي، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32]، أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:42].

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (رواه البخاري ومسلم).
وفي الحديث: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» (رواه مسلم).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لأبي سلمة بن عبد الرحمن، وكان بينه وبين الناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» (رواه البخاري ومسلم).

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» (رواه الترمذي).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم كفل ـ نصيب ـ من دمها، لأنه كان أول من سنَّ القتل» (رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» (رواه مسلم).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم".

وكان معاوية رضي الله عنه يقول: "إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرًا إلا الله".

وقال أبو العيناء: "كان لي خصوم ظلمة، فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تضافروا عليَّ وصاروا يدًا واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم، فقلت له: إن لهم مكرًا، فقال: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، قلت: هم من فئة كثيرة، فقال: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"

وقال يوسف بن أسباط: "من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يُعْصَى الله في أرضه"

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لما كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام ترادوا المظالم بينهم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه"

وقال أبو ثور بن يزيد: "الحجر في البنيان من غير حله عربون على خرابه"

وقال غيره: "لو أن الجنة وهي دار البقاء أسست على حجر من الظلم، لأوشك أن تخرب"

وقال بعض الحكماء: "اذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قدرة الله عليك، لا يعجبك رَحْبُ الذراعين سفَّاكُ الدماء، فإن له قاتلاً لا يموت"

وكان يزيد بن حاتم يقول: "ما هِبْتُ شيئًا قط هيبتي من رجل ظلمته، وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبي الله، الله بيني وبينك"

وبكى عليٌّ بن الفضيل يومًا، فقيل له: "ما يبكيك؟ قال: أبكي على من ظلمني إذا وقف غدًا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة"

ونادى رجل سليمان بن عبد الملك ـ وهو على المنبر: "يا سليمان اذكر يوم الأذان"، فنزل سليمان من على المنبر، ودعا بالرجل، فقال له: ما يوم الأذان؟ فقال: قال الله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 44]

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام"

وقيل: إن الظلم ثلاثة:
فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، نعوذ بالله تعالى من الشرك، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضًا، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب، فظلم العبد نفسه.

ومر رجل برجل قد صلبه الحجاج، فقال: "يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين، فنام تلك الليلة، فرأى في منامه أن القيامة قد قامت، وكأنه قد دخل الجنة، فرأى ذلك المصلوب في أعلى عليين، وإذا منادٍ ينادي، حلمي على الظالمين أحلَّ المظلومين في أعلى عليين"

وقيل: "من سَلَبَ نعمةَ غيرِه سَلَبَ نعمتَه غيرُه"، ويقال: "من طال عدوانه زال سلطانه"

قال عمر رضي الله عنه: "واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة"

وقال عليٌّ رضي الله عنه: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى"، وقيل: "أظلم الناس من ظلم لغيره"، أي لمصلحة غيره.

وقال ابن الجوزي: "الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير، ومبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع غالبًا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى لاعتبر"

وقال ابن تيمية: "إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة"، ويروى: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة"

من أسـبـاب الظـلم:

( أ ) الشيطان: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 208]، وقال: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]

(ب) النفس الأمارة بالسوء: قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]

(جـ) الهوى: قال تعالى: {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ} [النساء: 135]، وقال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40-41]، وقال جلَّ وعلا: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: 28]، والآيات كثيرة في هذا الباب.

أسباب تعين على ترك الظلم وتعالجه:

1 ـ تذكر تنزهه عزَّ وجلَّ عن الظلم: قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40]، وقال: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 108]

2 ـ النظر في سوء عاقبة الظالمين: قال تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم: 71-72]
وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]
وقال: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 47]

3 ـ عدم اليأس من رحمة الله: قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، وعن صفوان بن محرز قال: "قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟" قال: سمعته يقول: «يدنو المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله» (رواه مسلم).

وحديث الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، والذي قال: "لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين" (رواه البخاري ومسلم)، وغيره شاهد على هذا المعنى.

4 ـ استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة: قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر: 68-70]

5 ـ الذكر والاستغفار: قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]

6 ـ كف النفس عن الظلم ورد الحقوق لأصحابها: فالتوبة النصوح أن يندم الإنسان بالقلب ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مال أو عرض، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر.

بعض آثار الظلم ومضاره:

الظلم يجلب غضب الرب سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وهو يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، والظالم يُحْرَمُ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع أنواعها، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغر الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً} [الكهف: 35-36].

وما دمرت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45].

وقال تعالى عن فرعون: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [القصص: 40]، وقال عن قوم لوط: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82-83]

وأهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة
وقال: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

وندم الظالم وتحسره بعد فوات الأوان لا ينفع، قال تعالى:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان: 27]

والظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، فهو متعدٍ للغير وكيف تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، فقال الله عزَّ وجلَّ: ((وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين))

فاتق الله وأنصف من نفسك، وسارع برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.

قال أبو العتاهية:


أمـــــا والله إن الظلــم لــؤم ومازال المسيـئ هـو الظلـــوم
إلى ديـان يـوم الديـن نمضـي وعنـد الله تجتمـع الخصـــوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا غـداً عند الإله من الملـوم

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

| 0 التعليقات ]

داء القلب ودواؤه
للكاتب : ابن القيم



- ما ضُرِبَ عبدٌ بعقوبة، أعظم من قسوة القلب، والبعد عن الله.

- خُلقت النار لإذابة القلوب القاسية.

- أبعد القلوب من الله القلب القاسي.

- إذا قسا القلب قحطت العين.

- قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة:
الأكل، النوم، الكلام والمخالطة
كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام أو الشراب
فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ.

- القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلُّقها بها.

- القلوب آنية الله في أرضه، فأحَبُّها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها.

- شغلوا قلوبهم بالدنيا، ولو شغلوها بالله والدار الآخرة ، لجالت في معاني كلامه
وآياته المشهودة، ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحِكَم وطُف الفوائد.

- إذا غُذِّيَ القلب بالتذكر ، وسُقي بالتفكُّر، ونُقي من الدغل رأى العجائب، وألهم الحكمة.

- خراب القلب من الأمن والغفلة، وعمارته من الخشية والذكر.

- إذا زهدت القلوب من موائد الدنيا ، قعدت علة موائد الآخرة بين أهل تلك
الدعوة، وإذا رضيت بموائد الدنيا فاتتها تلك الموائد.

- الشوق إلى الله ولقائه نسيم يهب على القلب يُرَوِّح عنه وهج الدنيا.

- من وطَّن قلبه عند ربه سكن واستراح، ومن أرسله في الناس اضطرب
واشتد به القلق.

- لاتدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سم الإبرة.

- إذا أحب الله عبداً، اصطنعه لنفسه، واجتباه لمحبته، واستخلصه لعبادته، فشغل
همه به، ولسانه بذكره، وجوارحه بخدمته.

- القلب يمرض كما يمرض البدن ، وشفاؤه في التوبة والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة ، وجلاؤه بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسم، وزينته بالتقوى، ويجوع ويظمأ
كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه:
المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة.

| 0 التعليقات ]

الأناة.. يحبها الله تعالى


الحمد الله الرحيم الرحمن، العظيم السلطان، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]، وأصلي وأسلم على البشير النذير،والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

عباد الله: اتقوا الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الحشر:18].

أيها الحبيب: إنك لو رأيت كثيرًا من النتائج السلبية لكثير من أعمالنا بمختلف أشكالها لرأيت أن العجلة هي السبب في ذلك، وأن فقدان الأناة سبب رئيس في فقدان ما نريد .
الرفق يمنٌ والأناة سعادةٌ فاسـتأنِ في رفقٍ تلاق نجاحاً

فالأناة تعني عدم العجلة في طلب الشيء، والتمهل في تحصيله والترفق به.
تأمّل بعناية كيف ذم الله العجلة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6].

وتأمل كيف امتدح الله تعالى وفد عبد القيس من أرض هجر بصفة الحلم والأناة، حيث قال لأشجَّ عبد القيس _ : « إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة» [متفق عليه] .

فهنيئًا للمتأني محبة الله تعالى له ، وثناء النبي ‘ عليه .
كيف لا والنبي ‘ ينسب التأني إلى الله تعالى، وينسب العجلة إلى الشيطان، فيقول ‘ :
« التأني من الله، والعجلة من الشيطان، وما أحد أكثر من معاذيرٍ من الله، وما شيء أحب إلى الله من الحمد» [رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح] .
ولنعلم أن التأني جزء من شخصية الإنسان الراسخة الواثقة، فإن صاحبه يكون أكثر نظرًا وتأملاً لحاله وخطواته التي يخطوها، فتراه واثق الخطى، بعيدًا عن التردد، ليس بكثير التراجع، ولم يستمرئ الفشل ، بل هو يعي ماذا يقدم عليه، يمحصه بالدراسة والتشاور وبعد النظر، حتى إذا ما أقدم متكلاً على الله تعالى كان أكثر ثباتًا ونجاحًا، ولو وقع في خطأ فسرعان ما يرجع عنه، غير معاتب لنفسه ولا قنوط من ربه .
ولذا قال النبي ‘: «السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة» [رواه الترمذي وقال : حديث حسن] .

وقد ذمّ النبي ‘ العجول في الدعاء وعدّه من أسباب عدم الإجابة فقال ‘ :
«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول : قد دعوت ربي فلم يستجب لي ) متفق عليه.
وعن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي فَمَجَّدَ اللَّهَ وَحَمِدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُ تُجَبْ وَسَلْ تُعْطَ»
[رواه النسائي وذكره الألباني في الصحيحة] .

لا تعجلنَّ فربما عجل الفتى فيما يضرّه
ولربما كره الفتى أمرًا عواقبه تسرّه


ما أجمل التأني تلتصق بصاحبه صفة خيرّة ، تعود على قلبه بالطمأنينة، ولا تلحق به الأذى الذي يتبع المستعجل حتى يؤذيه، ولا تؤرقه أناة في ليل، ولا تشقيه في نهار، قال أبو حاتم ’ : "إن العاجل لا يكاد يلحق، كما أن الرافق لا يكاد يُسبق، والساكت لا يكاد يندم، ومن نطق لا يكاد يسلم، وإن العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب" .

لا تعجلنّ فليس الرزق بالعجل الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرزق يطلبنا لكنه خُلق الإنسان من عجل


أيها الكرام: كم سيخسر التاجر حينما يتعجل في شراء بضاعةٍ مّا وهو لا يخبرها، وكم سيتحسر الزوجان حينما يقدمان على الزواج من دون روية ولا مشورة ولا تأمل، وكم هو الضياع كبير لو عجل الزوج بطلاق زوجته من دون أن يحاورها ويتحدث إليها بالأدب والخلق أو يسند أمرهما إلى حكمين حكيمين ؟وكم سيندم الطالب حينما لا يتروى في امتحانه فلا يمعن النظر في إجابته! وكم سيأسف الصديق حينما يتهم صديقه بريبة ليس لديه فيها برهان! وهل سيوفق القاضي لو عجل في قضائه؟

يا للحكمة التي أنطق الله بها حبيبه ‘ كم هي عظيمة ومباركة ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ قَالَ فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ» [رواه أبو داود وأحمد وصححه أحمد شاكر ].

تأنّى يا رعاك الله وتثبت فيما تنطق، لا تعجل بالحديث، وما الذي يدعوك إلى المضي في شأن من غير روية ولا دراية، فإنك تملك نفسك ما دمت في مهلة النظر والتأمل، وما دامت الكلمة في خاطرك، وما دام الفعل لم يصدر منك، فإذا انطلقت الكلمة من فيك، وتحركت جوارحك بأعمالك، فأنت الآن رهن النتائج .

أما ترى كم تضيق السجون بأهلها،ولو سألتهم لقالوا بصوت واحد: إنا كنا من المستعجلين .
كن قوي الإرادة في مسك زمام نفسك عن الإقدام إلا بعد الـتأني وحسن التعقل ، فالإقدام بعد العلم والحلم والأناة محمود، وخصوصًا في مضمار الآخرة، فلا تتقهقر عن فعل الخير، بل لا تُسبق إليه، وكن مسابقًا مسارعًا، فعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله ‘: «التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة» [رواه أبو داود وصححه الألباني] .

ويفرق الإمام النووي ’ بين التأني والوقار فيقول : "التأني في الحركات واجتناب العبث هو السكينة المحمودة، أما غض البصر وخفض الصوت وعدم الاالتفات فهو الوقار" .

والتجربة تثبت أن من ابتلي بالعجلة، ثم تنبه لنفسه، فإنه يستطع أن يمرن نفسه على التريث، فإنه إذا وجد فائدته وطيب ثمرته، بقي عليه واستمر.

وربما كانت العجلة من الصفات التي يتسم بها الشباب، وهي أخطر ما تكون على نتائج أعمالهم ، فما أروع أن نربيهم على حسن التدبير وطول التفكر وعدم الاندفاع نحو الظلام من دون نور العلم ، فالجناية لن تكون آثارها عليهم فحسب بل على مجتمعهم وأهليهم .

اللهم ارزقنا حب كل خلق يزيننا ، واشملنا برحمتك، واجعلنا من السابقين إلى رضاك، أستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .

| 0 التعليقات ]

حق أن تبكي على نفسك??


إبكِ على نفسك..
عندما تجدها ضعيفة أمام الشهوات، عظيمة أمام المعاصي!!

إبكِ على نفسك..
عندما ترى المنكر ولا تنكره .. وعندما ترى الخير فتحتقره!!

إبكِ على نفسك..
عندما تدمع عينك لمشهد مؤثر في فيلم .. بينما لا تتأثر عند سماع القرآن الكريم!!

إبكِ على نفسك..
عندما تبدأ بالركض خلف دنيا زائلة.. بينما لم تنافس أحدا على طاعة الله

إبكِ على نفسك..
عندما تتحول صلاتك من عبادة إلى عادة.. ومن ساعة راحة إلى شقاء!!

إبكِ على نفسك..
عندما يتحول حجابك إلى شكل اجتماعي.. وتستركِ إلى أمر تجبرين عليه!!

إبكِ على نفسك..
إن رأيت في نفسك قبول للذنوب.. وحب لمبارزة علام الغيوب!!

إبكِ على نفسك..
عندما لا تجد لذة العبادة.. ولا متعة الطاعة!!

إبكِ على نفسك..
عندما تمتلئ بالهموم وتغرقها الأحزان.. وأنت تملك الثلث الأخير من الليل!!

إبكِ على نفسك..
عندما تهدر وقتك فيما لا ينفع!!
وأنت تعلم أنك محاسب فتغفل!!

إبكِ على نفسك..
عندما تدرك أنك أخطأت الطريق.. وقد مضى الكثير من العمر!!

وأخيراً إبكِ على نفسك..
بكاء المشفق .. التائب.. العائد .. الراجي رحمة مولاه..
وأنت تعلم أن باب التوبة مفتوح ما لم تصل الروح إلى الحلقوم.

| 0 التعليقات ]

حوار مع سجــادة


كنت نائماً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة من بعد نصب وتعب من مشاغل الدنيا وما أكثرها.

وقد استلقيت على فراشي, وغرقت في نوم عميق جداً, فاستيقظت قبيل الفجر من عطش شديد ألم بي، فقمت لأشرب الماء فسمعت أنيناً يخرج من الأرض, تلفت حولي فذهب الأنين, ثم ذهبت وشربت الماء فعدت إلى الفراش, وإذا بالأنين يعود مرةً أخرى, وفي هذه المرة كان الأنين قوياً وكأنه صوت بكاء, فتحسست الأرض بيدي, حتى أمسكت "سجـادتي" فسكتت قلت مستغرباً: "أأنت التي تأنين يا سجادتي؟!".

قالت: "نعم".

قلت: "ولمـاذا؟!".

قالت: "لقد أيقظك عطشك وشربت من الماء حتى ارتويت, وأنا بحاجة إلى الماء ولا أجد من يرويني الماء!!"

قلت: "وهل تريدين أن احضر لك كأساً من الماء؟".

قالت: "لا، ليس هذا الماء الذي يرويني, إنما يرويني دموع العابدين التائبين".

قلت: "ومن أين لي أن آتي لك بهذا النوع من الماء؟".

قالت: "وهذا هو سبب بكائي، فقم يا عبدالله وصلِ لله ركعتين في ظلمة الليل, حتى تنير لك ظلمة القبر, والجزاء من جنس العمل ولم يبق من الوقت إلا القليل وبعدها يؤذن المؤذن لصلاة الفجر".

قلت: "دعيني وشأني يا سجـادتي".

قالت: "يا عبدالله قم لصلاة الفجر, فإنها حياة للقلب والروح, وقد حان موعد الأذان ليردد: "الصلاة خيرٌ من النوم, الصلاة خيرٌ من النوم"، وأنت تستجيب لنداء الدنيا كل يوم في الليل والنهار ولا تستجيب لنداء العزيز القهار؟!!".

قلت متـضايقـاً: "دعيني أنام يا سجـادتي...فأنتِ تشاهديني كل يوم, لا أعود إلى المنزل إلا وأنا مرهق متعب".

ثم أخذ اللحاف ووضعه على صدره فشعر بالدفء واستسلم لسطان النوم.

قالت السجادة: "يا عبدالله، وهل تعطي للدنيا أكثر مما تعطيه لدينك؟".

قلت بلهجة تهكميه: "اسكتي يا سجـادتي...أرجوكِ لا تتكلمي..فإني متعب ومرهق..أريد أن أنام".

فسكتت السجادة برهة متأثرة بما قال عبدالله وقالت بصوت حزين: "آه لرجال الفجر...آه لرجال الفجر".

ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» يعني الفجر والعصر [صححه الألباني].

وقال عليه الصلاة والسلام: «من صلى البردين دخل الجنه» [رواه البخاري ومسلم].

وقال عليه الصلاة والسلام: «بشّروا المشّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].

وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» [رواه البخاري].

فانتبه عبدالله من غفلته وقال: "فعلاً إن صلاة الفجر مهمة".

السجـادة: "قم ياعبدالله، قم".

قال: "غداً أبدأ إن شاء الله...ولكن اتركيني اليوم لأنام فإنني مرهق".

السجادة: وهي متحسرة: "من لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال".

ثم قالت: "ستنام غداً في قبرك كثيراً يا عبدالله, وستذكر كلامي ونصحي".

وأنشدت السجادة قائلة:

يا من يعد غـدا لتوبته *** أعلى يقين من بلوغ غدِ؟
المرء في عيشه على أملٍ *** ومنيةُ الإنسان بالرصدِ
أيام عمرك كلها عـددُ *** ولعل يومك آخر العـدد