| 0 التعليقات ]

بماذا ستلاقين ربك؟


مع تقدم العمر.. تتغير قيم الأشياء..

في لحظة هدوء خلا فيها البيت من الجميع.. جلست وحدي.. في زاوية غرفة الاستقبال.. لم أشعل الأنوار.. أردت هدوءا تاما.. كان الوقت قبيل المغرب.. فجأة.. أدار أحدهم المفتاح.. اندفع بسرعة إلى الداخل..

كانت صاحبتي.. لم تنتبه لوجودي.. أسرعت إلى الحمام.. خرجت بسرعة توجهت إلى القبلة.. أدت أربع ركعات.. ولم تنتبه لوجودي إلا بعد أن أنهت الصلاة.. تفاجأت.. كان الوقت قبل المغرب بعشرين دقيقة..

- أنت هنا؟!..

لم أجبها.. تابعت..

- كان يوما متعبا.. منذ الصباح الباكر..

بقيت منصتا..

- خرجت الساعة السابعة والنصف.. أخذت رتاج (حفيدتنا) إلى الحضانة.. ذهبت بعدها إلى المستوصف.. استخرجت شهادات الحقن.. ثم إلى الخياطة.. ثم إلى السوق.. ومرة أخرى إلى الخياطة.. ثم إلى فرع الأحذية في الجمعية لأخذ حقيبة (شيماء).. ثم إلى رتاج مرة أخرى.. ثم إلى موعد الأسنان.. ومرة ثالثة إلى الخياطة.. ثم إلى بيت شيماء.. وهأنذا بالكاد أدرك صلاة العصر..

- يعطيك العافية

أشعرتها كلمتي بشيء من الراحة.. ألقت بثقلها على الأريكة بجانبي..

- كلما كبر الأبناء.. تكثر مشاغلهم..

- ولكن أحدنا ينبغي ألا ينجرف وينسى الأولويات..

- وماذا نستطيع أن نعمل إذا تزاحمت الأولويات؟!

- نضع خطوطا حمراء.. جميل أن يخدم أحدنا أبناءه.. ويتعب من أجلهم.. ولكن ليس على حساب آخرته.. تأملي قول الله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [سورة التغابن: 14]. دعينا نتحدث بصراحة.. لو أن أحدنا – لا قدر الله – مات اليوم.. وهذا ليس ببعيد.. بماذا سيلاقي ربه؟!

تابعت حديثي.. لأنها أبدت استعدادها للسماع..

- ما قيمة كل ما نعمله.. إذا فوتنا الصلاة عن وقتها؟! لا شيء؛ بل تعب في الدنيا.. عذاب في الآخرة.. هذا إذا قدر الأبناء ما نعمل لهم..

لذا يبقى السؤال الذي أردده دائما.. بماذا سألاقي ربي؟، بثروة جمعتها لأجل أبنائي؟!، بمنصب أكسبني مكانة مميزة بين أقراني؟!، بجسد رياضي أتباهى به بين أصحابي؟!، كل هذا لا قيمة له مع انعدام العمل الصالح..

سكتت.. ثم أجابت..

- حق ما تقول.. أما أنا فلا شيء عندي ألاقي به ربي.. اللهم إلا صلاتي وأصبحت في الفترة الأخيرة منشغلة حتى عن صلاتي.. أسأل الله الرحمة..

- أحدنا.. قد ينشغل في فترات.. زحمة العمل.. فترة الامتحانات.. مرض أحد المقربين.. سفر طارئ.. ولكن لفترة محدودة.. ودون تجاوز الخطوط الحمراء.. ولكن سرعان ما ينبغي أن يرجع إلى عمل ما ينفعه عند لقاء ربه.. فيعمل على أن يلقى الله.. ويحفظ أجزاء من كتابه.. بنشر علم ينفع.. بإعانة الفقراء وسد حاجاتهم.. بكفالة أيتام.. بإصلاح بين الناس.. ومن الناس من سيلاقي ربه.. بألبومات غناء.. وأفلام.. ورقص.. ومسرحيات فكاهية.. نسأل الله العفو والهداية للجميع..

كان وقت المغرب قد أزف.. نهضت للذهاب إلى المسجد.. عمل أرجو أن ينفعني عند لقاء الله.

| 0 التعليقات ]

ثلاثون نصيحة للمسلم من صحيحي البخاري ومسلم

نص المادة العلمية:

ثلاثون نصيحة للمسلم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحيحي البخاري ومسلم.

1- التوبة: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه»«يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة».

2- ذكر الله تعالى:«سيد الإستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء(أعترف) لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»، «كلمتان خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن, سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم»، «لأن أقول:سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, أحب إلي مما طلعت عليه الشمس».

3- الوضوء:«من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره»، «من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».

4- الذهاب إلى المسجد: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح» .

5- السواك: «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» .

6- الصلاة: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة , وذلك الدهر كله» .
7- بر الوالدين: «عن ابن مسعود قال: سألت النبي عليه الصلاة والسلام أي العمل أحب إلى الله تعالى قال: الصلاة على وقتها, قلت ثم أي قال: بر الوالدين, قلت ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله» .

8- السنن الرواتب: «ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة»، «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» .

9- الصلاة على النبي: «من صلى علي صلاة, صلى الله عليه بها عشرا» .

10- الصوم: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر, صوم الدهر كله» .

11- قراءة القرآن: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه»، «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين»، «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» .

12- الصدقة: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ,فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا»، «كل معروف صدقة» .

13- السلام: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا, أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم»، «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال, يلتقيان, فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» .

14- حفظ اللسان: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»، «لا يرمي رجل رجلاً بالفسق أو الكفر, إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» .

15- الصدق: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر, وإن البر يهدي إلى الجنة» .
16- الحب في الله: «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي, يوم لا ظل إلا ظلي» .

17- زيارة المريض: «من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة, قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة قال: جناها»، «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ! قال :يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين, قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض ولم تعده أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده» .

18- صلة الرحم: «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه»، «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها»، «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله, ومن قطعني قطعه الله» .

19- الستر على الناس: «لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة» .

20- حسن الخلق: «البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» .

21- اتباع الجنائز : «حق المسلم على المسلم خمس, رد السلام , وعيادة المريض , واتباع الجنائز , وإجابة الدعوة , وتشميت العاطس»، «من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين» .

22- إماطة الأذى عن الطريق: «مر رجل بغصن شجرة على ظهر الطريق فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم, فأدخل الجنة» .

23- الدعاء لأخيك المسلم: «من دعا لأخيه بظهر الغيب, قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل» .

24- الدعوة إلى الله: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا» .

25- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» .

26- الصبر: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» .

27- عدم الحسد: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم.لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرات) بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام, دمه وماله وعرضه» .

28- الحج والعمرة: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما, والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» .

29- الحسنات يذهبن السيئات: «عن ابن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له قال فنزلت {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} فقال الرجل: ألي هذه يا رسول الله قال : لمن عمل بها من أمتي» .

30- حب الله ورسوله: «عن أنس أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة قال له رسول الله : ما أعددت لها, قال: حب الله ورسوله قال: أنت مع من أحببت»، «من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله» .



نختم بوصف الجنة جعلني الله وإياكم ووالدينا وجميع المسلمين من أهلها «قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، «إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم فيقولون: وما لنا لا نرضى يارب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون: يارب وأي شئ أفضل من ذلك. فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا»، «أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون فيها آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم من الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا»، «إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً »، «من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه»، «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا»، «ينادي مناد:إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا فذلك قوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}» .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

| 0 التعليقات ]

أثر الذنوب والمعاصي في زوالِ النعم وحلول النقم
للكاتب : الشيخ/ مصطفى العدوي

وكذلك يعلم هذا الناظر المُتأني والباحث المدقق عن أسباب زوال النعم وحلول البلايا والنقم، يعلم تمام العلم أن من أعظم أسباب زوال النعم وحلول النقم الكفر بالله وكثرة المعاصي والجرائم والذنوب والبعد عن طريق الله -سبحانه وتعالى-، ومعاداة أوليائه وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام.

فكم من أمةٍ، وكم من قريةٍ كانت في سعةٍ من الرزق ورغدٍ من العيش وسلامة في الأبدان وأمنٍ في الأوطان، فحادت عن طريق الله -سبحانه وتعالى- فحلَّ عليها العذاب، ونزل بها العقاب وتبدلت الأحوال، وضُرِبت مثلاً للحاضر والباد.

قال الله -تبارك وتعالى-: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ} [الطلاق: 8-10].

وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل: 112-113].

وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 15-17].

وها هم قوم نوح:
قال الله في شأنهم: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً} [الفرقان: 37].


وها هي عاد:
تلك القبيلة التي لم يُخلق مثلها في البلاد، منَّ الله عليهم بطولٍ في الأجسام وسلامةٍ في الأبدان وسعةٍ في الأرزاق، فاستكبروا وتعالوا على الله وعلى خلقه، فماذا كانت العاقبة؟ قال الله سبحانه: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ} [فصلت: 15-16].

سلط الله على هذه القبيلة الطاغية الباغية الريح العقيم كما قال سبحانه: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 41-42].

وكما قال سبحانه: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 6-7].

وها هم ثمود:
الذين جابوا الصخر بالواد، تلكم التي بيَّن الله لها طريق الهداية فاستحبت العمى على الهدى، ماذا كان من أمرها؟ قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت: 17].

تلك القبيلة التي أنعم الله عليها بنبيها صالح -عليه السلام- وبالناقة -ناقة الله التي كانت تشرب الماء يوماً ويشربون لبنها يوماً-، فتآمروا على قتلها وجحدوا نعمة ربهم، فماذا كان من أمرها؟!!

كذبوا صالحًا وكفورا وانبعث أشقى رجل منهم وخرج لقتل الناقة عقرها فدمرهم الله، كما قال سبحانه: {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 12-13].

وكذلك فرعون ذو الأوتاد الذين طغوا في البلاد:
{فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر: 12-13].

هذا فرعون الظالم:
الذي طغى وبغى، وكان له ملك مصر، والأنهار كانت تجري من تته، مُنَعَّمًا في الكنوز والمقام الكريم، فاستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق، وتعالى وتكبر وتجبر، فماذا كان من أمره وأمر جنده؟!

إنه تعالى على المرسلين بقوله:
{يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 51-52].

بل تطاول وتعاظم فقال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24].

وقال: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38].

وسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، ذبح الأطفال، وشرَّدَ الرجال، استحيا النساء وسخرهن، فماذا كان من أمره بعد هذا التكذيب وذاك العناد؟!!

وقال: {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 41-42].

وقال تعالى: {وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} [الحاقة: 9-10].

وقال تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [المزمل: 16].

وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 57-58].

فها هي عاقبة الظلم، وها هي عاقبة البغي، وها هي عاقبة الكفر والتكذيب!!!

هذا على مستوى الأمم والشعوب، أمم وشعوب أُخذت بأكملها، وتحولت النعم عليهم إلى نقم كما قال تعالى: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

وليس على مستوى الأمم والشعوب فحسب، بل على مستوى الجماعات، والأفراد كذلك.

ها هم أصحاب الجنة -أصحاب الحديقة والبستان-:
الذين بيتوا الشر وبيتوا البخل، وأقسموا ليصرمُّنها مصبحين ولا يستثنون، تآمروا لمنعم الفقير والمحتاج خقه، فماذا كان؟!!

{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: 19-20].

وها هو قارون الطاغي الباغي:
آتاه الله من المال ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، لكن ترى هل شكر؟ كلا، ما شكر بل بغى على قومه كما قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} [القصص: 76-81].

وها هو إبليس يُطرد شر طردة من الجنان لعصيانه وامتناعه وامتناعه عن عن طاعة الله، ورفضه السجود لآدم، فيطرد شر طردة: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 18].

{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [الأعراف: 13].

{فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف: 13].

فهذه هي عواقب المعاصي والظلم والشر والفساد، ها هي العواقب الوخيمة والشرور الجسيمة للذنوب والمعاصي، كما قال تعالى في مواطن من كتابه العزيز.

{فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ}!!! [غافر: 21].

{فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} [الأنفال: 54].

{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ}!!! [النحل: 34].

{فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 55-56].

{إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31].

{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون} [الروم: 10].

{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146].

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} [يونس: 13].

{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16].

{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الروم: 41].

{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

| 0 التعليقات ]

مهلاً يا عاشق الدنيا


الحمد لله الذي لا يموت، تفرّد بالديمومة والبقاء، وتفرد بالعزة والكبرياء، وطوّق عباده بطوق الفناء، وفرقهم بما كتب عليهم من السعادة والشقاء، نحمده - سبحانه - ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: «أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت»[حديث صحيح أو حسن].

ولو أنا إذا متنا تُركنا
لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بُعثنا ونُسأل بعدها عن كل شيء


قال - تعالى -: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩].

الموت.. فالقبر.. فالحساب.. فالجزاء.. إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر..
لا دار للمرء بعد المـوت يسكنها *** إلا التي كان قبل المــوت يبنيهـا
تجني الثمار غداً في دار مكرمة *** لا مـنّ فيهــا ولا التكديـر يأتيهـــا
فيـها نعيــمٌ مقـيــمٌ دائمـاً أبـــداً ***بــلا انقطـــاع ولا مــنٍ يدانـيـــهـــا
الأذن والعين لم تسمع ولم تـره ***ولم يدر في قلوب الخلق ما فيها


يقول أحد الشعراء الحكماء المسلمين:
يقول: "في ليلةٍ ذهبت من بيت أهلي إلى بيت جيراني لأنام ليلة، فما أتاني النوم لأنه تغيّر عليّ المنام والمبيت.

فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون
الـقبـــــر أول لـيلــــةٍ *** بالله قل لي ما يكــون؟


كيف شعورك فيه؟
كيف يكون حالك؟
ماذا تقول؟ كيف أؤنسك؟
أين ابنتك؟ أين أبوك؟ أين أهلك؟ أين دارك؟

إذا كان هـذا القبر أول حفـرةٍ... ليوم المعاد والمحبين أكثرُ
فماذا تقول اليوم من بعد حسرةٍ... تلاقي بها المعبود والله أكبرُ

ثبت في الحديث الصحيح عن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان إذا وقف على القبر بكى، وكان إذا ذُكرت له الجنة والنار لم يبكِ كبكائه للقبر.
فقالوا له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي؟!
قال: أخبرني خليلي- صلى الله عليه وسلم - أن القبر أول منزل من منازل الآخرة.

إنها كلمات صادقة من نبي كريم!
القبر أول منزل من منازل الآخرة!

مرّ علي - رضي الله عنه - بالمقابر فقال:

السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وإنا بكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر الموت والمعاد وعمل للحساب.

ثم قال: يا أهل القبور، أما الأزواج فقد نُكحت، وأما الديار فقد سُكنت، وأما الأموال فقد ُقسّمت، هذا خبر من عندنا، فما خبر من عندكم؟
مالي أراكم لا تجيبون؟
ثم التفت إلى أصحابه - رضي الله عنه - فقال:
أما إنهم لو تكلموا لقالوا وجدنا أن خير الزاد التقوى.. فبكى- رضي الله عنه- وأبكى أصحابه.

زيادة المرء في دنياه خسران *** وربحه غير محض الخير خسرانُ
يا عامراً لخــراب الدار مجتهداً *** بالله هل لخــراب الدار عمــرانُ؟


زيّنا الفلل، ركبنا المراكب البهية الرضية، عندنا مناصب ووظائف.. لكن ماذا فعلنا في القبور؟
أتعرف قبر الملك من المملوك؟ أتعرف قبر الغني من الفقير؟

أتيت الـقـبـــــور فناديتهـــا *** أين المعظــم والمحتقـر؟
تفانــوا جميعاً فمــا مخبــرٌ *** وماتوا جميعاً ومات الخبر
فيا سائلي عن أناسٍ مضوا *** أمالك فيما مضى مُعتبَر؟


فيا عجباً ممن آثر الحظ الفاني الخسيس، على الحظ الباقي النفيس، وممن باع جنة عرضها السماوات والأرض بسجنٍ ضيقٍ في هذه الدنيا الفانية!
ويا عجباً ممن باع سماع خطاب الرحمن.. بسماع المعازف والغناء!


فتذكر يا غافلاً عن الآخرة وتفكر في الموت وما بعده

فكفى به قاطعاً للأمنيات، وحارماً للذات، ومفرقاً للجماعات

كيف والقدوم على عقبه لا تدري المهبط بعدها إلى النار أم إلى الجنة؟!


سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

| 0 التعليقات ]

قلبٌ لا يعرف القضبان
للكاتب : دكتور/ خالد أبو شادي


هذه أول شروطنا وأهمها، فلابد للقلب الذي يشترك في سباقنا أن يكون حراً طليقاً، ولا يعرف أسر المادة أو قضبان الشهوة، أما القلب المحبوس خلف الأسوار فأَنَّى له أن يقوم وهو مكبل، وأّنَّى له أن يتسابق وهو مقيد، فالسباق والأسر لا جتمعان.

فمن كان قلبه أسيراً لشيء من الدنيا قيده عن الحركة ومنعه من الانطلاق لإحراز الغاية وبلوغ خط النهاية، سواء كان الآسر تجارة أو امرأة أو لهواً أو منصباً، والعاقل ينظر إلى حقيقة الأشياء وجوهرها لا إلى مظهرها.

واقرأبقلبٍ نقي قول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14].

زُيِّنَ: نعم فالدنيا زينة.. مظهر.. متاع زائل والاقتراب يفضح الصورة ويبين أن ما ظنته النفس حقيقة ليس إلا خيالاً {وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14] هذه هي الحقيقة الراسخة، والله عنده النعيم الدائم واللذة الباقية، فالخاسر من آثر الفاني على الباقي، والرخيص على النفيس.

هذه الشهوات هي الحبة داخل الفخ، يراها الطائر ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه، وتعلق باله بها، وجهله بما جعلت فيه فإن لم ينتبه هلك، وإن تيقظ نجا، فكن كيساً فَطِناً كما أرادك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تقع في الفخ فَتُشْوى في جهنم، وتذكر قَولَة الحبيب صلة الله عليه وسلم: «حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات» (1).

عثمان بن عفان رضي الله عنه خلع هذه القضبان، ورمى بها بعيداً ولم يكتف بذلك بل هو الذي طوّق شهوته بأغلال بَذْلِه وجُودِه حتى خرّت شهوته راكعةً تحت قدميه ترسف في القيود، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "اشترى عثمان الجنة من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين حين حفر بئر رومة، وحين جهز جيش العسرة"(2)، ولهذا قلَّده الرسول صلى الله عليه وسلم وسام «عثمان في الجنة» (3).

أما من خالف نهج الخليفة الثالث في تحطيم القضبان فسيشكو العِلل والأمراض ومنها وليس آخرها فقدان حلاوة الطاعة.

معنا في حلبة السباق طبيب بارع هو بشر بن الحارث شَخَّصَ هذا المرض فقال يصف الداء والدواء معاً: "لايجد العبد حلاوة العبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطاً من حديد"(4).

والآن إليك البحث الميداني الذي أجراه العلامة ابن القيم وخرج منه إلى أن: "الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذةً أكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خيرٌ له من ذهابه، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خيرٌ من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب همّاً وغمّاً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسى علماً ذِكْرُه ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق"(5).

اقرأ كلمات ابن القيم واسترجع شريط ذكرياتك وستجد أن ما من كلمة خطَّها إلا وكانت مصداق حادثة وقعت معك عندما آثرت شهوتك يوماً.. أليس كذلك؟!.

فالصبر الصبر.. والبذل البذل.. والتعب التعب..

من صام عن شهوته في الدنيا، أدركها غداً في الجنة، ومن صام عمّا سوى الله فعيده يوم اللقاء {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: 5].
والجزاء من جنس العمل.

من صفات الجنة أن...

ظلها ممدود.. لمن لا يتعدى الحدود.

عيشها مقيم.. لمن على أوامر الله يستقيم.

بساتينها زاهرة.. لمن له عين لله ساهرة.

ماؤها مسكوب.. لمن بذكر الله أحيا القلوب.

قطوفها دانية.. لمن روحه لحب الصالحين دانية.

فيها قاصرات الطرف في الخيام.. لمن قصر طرفه عن الآثام.

فيها عينان تجريان.. لمن له اليوم عينان من خشية الله تجريان.

لا يسمع فيها لاغية.. من صان سمعه في دنياه عن السماع لغانية.

فطوبى..
لمن جوع نفسه ليوم الشبع الأكبر,


وطوبى..
لمن أظمأنفسه ليوم الري الكامل.

وطوبى..
لمن صبر عن شهواتٍ زائلة ليسعد بنعيم جناتٍ خالدة.

والآن نضع نصب عينيك هذه الدرر التي قالها ابن الجوزي وكتبناها لك بخط مميز حتى تنقش في ذهنك نقشاً:
النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة, بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق يكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، صبر ساعة خيرٌ من عذاب الأبد، وإذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً.


دكتور خالد أبو شادي من كتاب (سباق نحو الجنان)

| 0 التعليقات ]

التحذير من اليأس والقنوط من رحمة الله
للكاتب : دكتور/ مصطفى العدوي


فلا ينبغي أن يقنط أحدٌ أبداً من رحمة الله، فاليأس والقنوط من رحمة الله -عز وجل- كبيرة من الكبائر.

قال سبحانه وتعالى: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [الحجر: 56].

وقال تعالى سبحانه: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

وقد ذهب فريق من أهل العلم إلى أن المراد بقوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].

إن العبد يُذنب الذنب ثم يظن أن ذنبه لا يغفر فيترك الاستغفار ويترك الرجوع إلى الله فمِن ثَم يقع في التهلكة (1) والعياذ بالله.

وفي (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) فيما يحكي عن ربه -عز وجل- قال: «أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب. فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك» [رواه مسلم].

وها هو رجل يُكثر من شرب الخمر، فيوتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرج البخاري (3) من حديث عمر -رضي الله عنه- : أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان اسمه: عبد الله وكان يلقب: حِمارًا، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: "اللهم العنه، ما أكثر ما يُوتى به!"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما (4) علِمت أنه يُحِبُ اللهَ ورسوله» (5).

وفي رواية: أن رجلاً قال: "مَاله أخزاه الله!"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عَونَ الشيطانِ على أخيكم» (6).

فجديرُ بالعبد أن لا يقنط أبداً من رحمة الله -عز وجل-، بل كلما سقط ووقع في ذنب قام واستغفر وأناب، فليس ثَمَّ أحدٌ معصوم من الذنب، وقد قال تعالى في شأن المتقين الذين أعدت لهم الجنان: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].

فذكر من صفاتهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135-136].

فحتى التَّقي قد تصدر منه كبيرة!!، وقد تزل قدمه ويقع في الفاحشة!!، ولكنه يقلع عنها وينيب إلى ربَّه ويستغفر.

وها هم المرسلون:
قال تعالى: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النمل: 10-11].

وموسى الكليم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قتل نفسا فقال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16].

وهؤلاء الذين جاءوا بالصدق وصدقوا به، قال الله عنهم: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: 35].

ففيه دليل على أنهم عملوا شيئا من السوء.

| 0 التعليقات ]

أيها العاصي النادم... أقبلْ
للكاتب : هداية


من منا لا يعصي في زمن الشهوات?!، في زمن استعرت به العورات وتكاشفت، وطاح الحرام في كل مكان متمسكاً برأسه، طريقه بات مُمهّداً.. والعراقيل وُضعت في وجه الحلال، وأُغلق فمه فقلّما يُحس بهمسه..

وبرغم تقصيرنا في حقّ ربنا إلا أن أنين العصاة المذنبين يرفض ما يحدث وما يكون.. فتجدهم قد طافوا وهاموا إلى ربهم.. وبانَ الندم.. وحانت لحظة وما أجملها من لحظة.. لحظة الإقبال على التوّاب الرحيم..

أيها العاصي الذي عرف جُرمه في حق ربه أما آن أن تلحق بركاب الإقبال على الله؟!، أما آن أن تتلمس خطوات القرب من الله، وتشتم نسمات الهدى والرحمة..

فيا من أطلق لنفسه العنان، ولم يرعَ لله -تبارك وتعالى- حقاً: إلى متى وأنت تقتات المعصية وتألفها؟!!

ألم يحن بعدُ وقت الرجوع إلى الله تبارك وتعالى؟!

أما آن لك أنْ تنطرح بين يدي مولاك؟!

أما آن لك أن تفيق من سكرة الذنب؟!

أيها السائر في طريق الهوى واللذة العابرة: رويداً رويداً. أتعرف مَن تعصي؟!!، أتعرف من تبارز بذنبك؟!

إنه الله الجبار الذي بيده ملكوت السماوات والأرض!!

أيها المسرف على نفسه: كفاك كفاك... آن لك أن تضع عصا الترحال، وتوقف البحث والسؤال، آن أن تذرف الدموع الغزار، دموع الندم على ما فات وسلف من الأزمان الماضية... على ما سلف من ذنوبك وخطاياك...

نعم، آن لك أن تعترف بذنبك لربك وتقول بلسان النادم الأوّاب:

دعني أنـوح على نـفسي وأنـدبها *** وأقـطع الدهـر بالتذكـار والحـزنِ
دعـني أسـحُّ دموعاً لا انقطاع لهـا *** فهـل عسى عـبرةٌ مـنها تخلّصني
دع عنك عذلي يـا من كنتَ تعـذِلني *** لو كنت تعـلم ما بي كنـت تعـذرني

أنـا الـذي أَغلـق الأبـواب مجتهداً *** على المـعاصي وعـين الله تنـظرني
يـا زلـةً كُتِبـت في غفـلة ذهبـت *** يا حسرة بقـيت في القلب تحـرقـني
تمـرُّ سـاعات أيـامـي بـلا نـدم *** ولا بكـاء ولا خـــوف ولا حـزن
ما أحلـم الله عـني حـين أمـهـلني *** وقد تماديتُ فـي ذنـب و"يـسترنـي"


نعم... ما أحلم الله عنا!!

كم عصيناه ويسترنا؟!!، كم خالفنا أمره فما عاجلنا بعذابه؟!!، أظهر للناس الجميل، وأخفى عنهم القبيح من سرائرنا.

فاللهم رحمة من عندك ترزقنا بها توبة نصوحاً تكفّر بها ما سلف من ذنوبنا وخطايانا...

ها قد حان وصول قطار السائرين إلى ربهم. وبعد لحظات يطلق صوت الرحيل وينادي ويقول: أيها المقبلون على ربهم هيا اركبوا معنا... هيا نعيد للقلوب ضحكتها وللروح بهجتها...

إي والله ما الدنيا من الآخرة إلا لحظات قليلة.

وعند ركوب القطار يبدأ الاحتفال وما أروعه من رجوع.. رجوعك إلى مولاك رب البرية سبحانه وتعالى..

أتدرون ما يكون ثمار الرجوع.. اقرأ بعين قلبك هذا الحديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:

جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس -رضي الله عنه- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم–: «لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه»، فلتت منه ناقته وابتعدت عنه فذهب يبحث عنها، يميناً وشمالاً فلم ير لها أثراً، وعلى هذه الدابة طعامه وشرابه وكساؤه!!، أين هو؟!، في صحراء ما بها أحد ينقذه ولا بشر يساعده!!، "فأيس منها.. فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك"، ينتظر ماذا؟ إنه ينتظر الموت!!، إذ به يرفع رأسه.. "إذا هو بها قائمة عنده"، وعليها طعامه وشرابه وكساؤه!!، تخيلوا معي: أيّ فرحة ستتملّك قلب ذلك العبد حينما يكون حاله كهذه الحال؟!!، إنها فرحة عظيمة... إنها حياة جديدة... «فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك!!، أخطأ من شدة الفرح!!».

إن الفرح قد تملك قلبه، وأطاش لبَّه حتى نسي وغلط فقلب، وقال: أنت عبدي وأنا ربك!!، إن هذه الفرحة الكبرى في قلب ذلك العبد الناجي من الهلاك لا تساوي شيئاً أمام فرحة الله جلّ في علاه بتوبة عبده إذا جاءه تائباً نادماً.

الله أكبر!!، إنه كرم الله وجوده، وعطفه وامتنانه.. فلا عذر -بعد ذلك- لأحد أن يبتعد أو أن يتردد عن القرب من الكريم الجَوَاد.

كيف والله يقول كما جاء في الحديث القدسي في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- يقول الله الكريم الغني عن عباده: «من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة!!»..

وعند البخاري: «وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه!! فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته!!».

عظات ثمينة يرتوي منها القلب.. عظات تقول: أيها العاصون النادمون أقبلوا..
عظات تربطنا بعوامل تعيننا على أن ننهض لركب التائبين.. ومن ذلك:

أولاً: استشعار مراقبة الله لعبده.

ثانياً: تذكر عظمة الله وسطوته وانتقامه.

ثالثاً: التأمل في نتائج المعصية وعقوبتها.

رابعاً: الجلوس إلى التائبين وقراءة سيرهم وقصصهم.

فيا أيها المذنب -وكلّنا كذلك هذا- الباب مفتوح أمامك..

فعجّل بالولوج، واسجد بين يدي مولاك.. مرِّغ جبهتك تذللاً لسيدك.. فرَّ منه إليه.. فما من عاصم من الله إلا إليه... وقل بلسان العبد المعترف الأوّاب:

أيـا مـن ليس لي منه مجـيرُ *** بعفـوك مـن عذابـك أستجيرُ
أنـا العـبد المُقِرّ بكـل ذنـب *** وأنـت السيـد المولى الغفـورُ
فـإن عـذبتني فبسوء فعلـي *** وإن تغـفر فـأنت بـه جـديرُ
أفِــرُّ إليـك منـك وأيـن إلاّ *** يفـرّ إليـك منـك المستجـيرُ


لم يبق -والله يا عباد الله- من حلاوة العيش -كما قال بعض السلف- إلا أن نضع وجوهنا على التراب ساجدين لله سبحانه...

وإن ضاقت علينا الأرض بما رحبت واستَوحشت منا ذنوبنا، وغُلِّقت دوننا الأبواب.. فلنعلم أن باب الله مفتوح لا يغلق.. ارفع شكواك إليه لا إلى سواه، وقم في ظلمات الليل، وبث همومك وأحزانك إلى ربك؛ فإنه العليم بالسرائر وما تكنه الضمائر...

طـرقت بـاب الرجا والناس قـد رقدوا *** وبِـتُّ أشكـو إلى مـولاي مـا أجـدُ
وقلــت يا أملـي في كلّ نائلــــة *** ومَـنْ عليـه لِكشـفِ الضـرِّ أعتمـدُ
أشكــو إليـك أمـوراً أنـت تعلمـها *** ما لي على حمـلها صـبرٌ ولا جلــدُ
وقـد مـددتُ يـدي بالـذلّ معـترفـاً *** إليك يا خيـر مـن مُـدَّت إليـه يــدُ


اللهم يا سامع الدعوات، ويا مقيل العثرات، ويا غافر الزلات: اجعلنا من عبادك التائبين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين...

اللهم إنّا نشكو إليك ضعف إيماننا، وقلة صبرنا، وجرأتنا على معصيتك!!، فاللهم إنا نتضرع إليك، ونبتهل إليك أن تلطف بنا، وأن لا تعاجلنا بعذابك...

اللهم لا تفضحنا يوم العرض عليك.. واسترنا واغفر ذنوبنا يوم لقياك...

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

| 0 التعليقات ]

النقطة السوداء....
للكاتب : د. أحمد بن صالح الطويان


من الناس ما لا يرى إلا بعين سوداء إذا رأى حسنة سترها وإذا سمع بسيئة نشرها كالذباب لا يقع إلا على الجرح، لا يرى إلا الأذى، ويبصر حتى القذى، يكشف المستور، ولا يرى إلا السوء، ولا يقول إلا زوراً ولا يغشى إلا فجوراً.

من الناس من فتن بتتبع الزلات، وكشف العورات، وتعقب الهفوات، ونشر السقطات، وتلمس العثرات، لا يستريح إلا إذا نشر المعايب، ولا يتلذذ إلا بإشاعة الأخطاء والمثالب، يخفي الحسنات ويظهر الهنات يوسع الخرق ويفضح الخلق، مغرم بسرد الفضائح وإذاعة القبائح واجتناب المدائح، همه إبداء العورات ونشر السلبيات.

قد امتلأ قلبه غيظاً وحقداً وحسداً وبغضاً، لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، يفرح بالهنات وتسيئه الحسنات {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [سورة آل عمران: 120].

إن العين السوداء التي لا ترى إلا السواد، ولا تبصر إلا الخطأ، ولا تذكر إلا السوء والشر شعارها السب والثلب وسواد القلب، لا تعرف مدحاً ولا ثناءً ولا شكراً ولا عرفاناً إلا لأنفسها.

تلك عين كاذبة خاطئة، عين عوراء لا تبصر إلا ما تريد وتطمس ما لا تريد.

وإن العدل كل العدل والإنصاف كل الإنصاف ستر المعايب ونشر الفضائل والمناقب وذكر الحسنات والطيبات من الأقوال والأفعال والصفح عن الزلات والنقائص.

فالجميل لا يرى إلا جمال الخلق والفعل والقول يلتمس المعاذير ويتجنب التنقص والتهويل.

قال أبو قلابه: "إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له عذراً، فإن لم تجد له عذراً فقل لعله له عذراً لا أعلمه".

أين هؤلاء الذين يتلمسون العيب للبراء، ويلصقون التهم بالأبرياء، يصيدون لهم العثرات، ويوجدون لهم الزلات.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» [قال الألباني حسن صحيح].

قال الحسن: "إذا رأيت الرجل يشتغل بعيوب غيره ويترك عيوب نفسه فاعلم أنه قد مُكر به".

ولقد ضرب لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم المثل العظيم بكلمة الحق والعدل والإنصاف حتى قال صلى الله عليه وسلم في الشيطان: «صدقك وهو كذوب» [رواه البخاري].

ولما ذكر عبدالله بن عمر قال: «نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل» [رواه البخاري]، فذكر الفضيلة ونبه إلى ما يزيد في الكمال .

وإذا أراد أن ينبه على خطأ قال صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا" ولما سب رجل رجلاً كان يجلد بالخمر قال: "لا تسبوه فإنه يحب الله ورسوله"..

فالفضائل تستر المعايب والحسنات يذهبن السيئات .

قال صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إذا كره منها خلقاً رضي بآخر» [رواه مسلم].

فمن رأى سوءاً فلينظر إلى الخير والحسن، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته انغمرت سيئاته في بحار حسناته ومناقبه وفضائله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» [صححه الألباني].

من الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه

فما من الناس إلا وله هنة تغمر في جنب فضله وتجتنب.

فالكمال عزيز وإنما يمدح المسلم بكثرة ماله من الفضائل فلا تدفن المحاسن لهفوة أو هنة، والله تعالى يقول: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة: 286]، قال الله قد فعلت.

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» [صححه الألباني].

وقال كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فهل يُعير أحد بذنب وتنسى محامده ومحاسنه فالله يعفو ويغفر، والعبد يكشف ويفضح.

ولهذا المرض العضال والنظر السوداء أسباباً منها:

1- الهوى وتحكمه في النفوس {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى} [سورة القصص: 50].

2- الحقد والحسد والبغي والغيرة قال صلى الله عليه وسلم: «دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين» [رواه الترمذي وحسنه الألباني]

3- تلبيس إبليس فيلبس الشيطان عليهم أن ذلك بياناً للحق، حتى يجعل أحدهم يفري في أعراض المسلمين ويفتري .. قال ابن القيم رحمه الله: "ومن العجب إن الإنسان يهون عليه التحفظ من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك.

ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات لا يبالي ما يقول".

4- سوء الظن بالمسلمين وحمل أفعالهم وأقوالهم محامل السوء والشكوك فيدفعهم إلى الترصد والتربص والفرح العظيم بوجود الأخطاء.

فالتصيد للأخطاء والفرح بها وإذاعتها وكتمان المحاسن والفضائل داء خبيث متى ما تمكن من النفوس أطفأ ما فيها من نور الإيمان وصيّر القلوب خراباً تمتلئ بالأهواء والشهوات.

والله أمر بالقسط وإقامة العدل {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [سورة الأنعام: 152]، فلا البغض يدفع للظلم وترك العدل {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} [سورة المائدة: 8]، فيعيش المسلم في علاقاته مع الآخرين وفي نظرته لهم على العدل.

فمن رأى ما يكره فليفتش عن الجوانب الإيجابية والصفات الحسنة في كل من يتعامل معه مع الزوجة والأولاد والأقارب والجيران وعامة الناس وأئمتهم، فمن دعته نفسه إلى رؤية الأخطاء فليذكرها بالحسنات والمحامد والمناقب، وليبحث عن الأعذار فـ«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» [رواه الترمذي وقال الألباني حسن صحيح].

وأمسك عن الشر فإنها صدقة تتصدق بها على نفسك، وتذكر أن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته، وتذكر المفلس يوم القيامة من تفنى حسناته وتطرح عليه خطايا الآخرين.

واضمن ما بين لحييك وبين فخذيك نضمن لك الجنة فالسلامة لا يعد لها شيء .

والموفق من عرف الحق فاتبعه والباطل فاجتنبه، وليكن المسلم بلسماً شافياً وقلباً خالصاً ناصحاً مشفقاً يدعو لمن أساء بالهداية والتوفيق والعصمة، ويُسدي له بالغيب دعوة مستجابة وينصح ولا يفضح ويرشد ولا يغمز، ويبدأ بنصيحته بما للإنسان من الحسنات والفضائل والمكرمات ويعترف له بالفضل والإكرام وينبه بأسلوب رفيق شفيق رقيق.

| 0 التعليقات ]

(أنا مش عارفه أقول إيه؟.. أنا فتاه جامعية محاصرة بالتقاليد والعرف بحب واحد جدا ومقدرش أتصور حياتي من غيره وهو ناوي يتقدم لي كمان سنة وطلب مني كتير أنى أصارح أهلي بعلاقتي بيه بس أنا مش قادرة لأن أهلي ناس صعبة جدا ومش بيعترفوا بحاجة اسمها حب وأنا كل علاقتي بيه كلام بالتليفون وكلام كله احترام.
بس بنطمن على بعض، وأنا كل اللي تاعبني أنى مش عارفه إذا كانت علاقتي بيه صح ولا لأ.. وإحنا متفقين على الزواج، عشان خاطري متقلوش ابعدي عنه لأني مقدرش، ولا هو كمان يقدر، أنا بدور على حل تاني مش قادرة وكمان مامتى عمرها ما حاولت تتكلم معايا برغم أنها عارفه أنى في اكتر سن بحتاج لها فيه، وغير كده أنها بتشك في كل حاجة بعملها وبتراقبني دايما وكل ما أنا امسك التليفون لازم تشوف أنا بكلم مين، بتحسسني دايما أنى مش موضع ثقة بالنسبة ليها خلتني أحس أنى إنسانة مش كويسة..
دا حتى كل اما تشوفتي بكلم زوج أختي اللي هو المفروض اخويا تتنرفز عليا وتحسسني أن في بيني وبينه حاجة أنا مش عارفه.. أنا اختنقت من شكها الزايد دا.. وإهمالها ليا وعدم محاولتها أنها تتكلم معايا هي لو اتكلمت معايا هقولها على الإنسان دا وهستريح  كتير نفسي اكلمها بس هي كل يوم بتبني سد بيني وبينها ساعدوني أنا مخنوقة مش عارفه اعمل إيه ساعدوني......؟؟!))

هل أستطيع أن أفتي لك بتذوق الطعام قبل أذان المغرب ولو بثانية واحدة مهما كنت أشعر بمدى تضورك جوعاً يا صغيرتي؟
فلعل الله -عز وعلا- جعل من تمام استحقاقنا لكلمة إنسان هي أن نمر باختبارات جادة تجعلنا نقاوم ما نحب ونتحمل ما نكره، وانظري للغصة التي تجدينها في ضميرك.

فستكتشفين فورا أنها ترجع لأنك تعلمين بشفافية فطرتك أنك هكذا لست على الطريق السليم حين تتواصلين معه، فهل تكبلينني برجائك أو بقصور والدتك في علاقتها معك لأقول لك ما لا أملك أن أقوله؟
فلن أستطيع أن أقول لك استمري في علاقتك بمحبوبك عامًا جديداً دون رباط شرعي، لكن أستطيع أن أقول لك إن الشوق للطعام يزيده جمالاً في أعيننا، ويختبر قوتنا الداخلية التي سنحتاج إليها في معترك الحياة ما دمنا نحياها، فذاك العام سيمنحك قوة إرادة وكذلك سيختبر في نفس الوقت مدى قوة الرغبة في الارتباط وصدق المشاعر بينكما، وبرغم يقيني بأن بذرة الحب تحتاج للإرواء لتكبر وتعطي أوراقاً خضراء مشرقة، فإننا عند الاضطرار نحتاج أن "نجمد" البذور ونحتفظ بها في أعمق مكان لنحافظ على نقاوة مكوناتها ونضارتها حتى يحين وقت زرعها وإروائها لتستمتع بالنور والحرارة والغذاء السليم فتعطينا زهوراً جميلة لأنها نبتت في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة.
وكذلك هذا لا يمنعني أن أقول إن محبوبك صريح وواضح فله الشكر على وضوحه وعليه عتاب أنه لم يتمكن من "الفرملة" حتى ينال رضا الله وتوفيقه بالزواج منك.
"فلتجمدي" علاقتك به ابتغاء مرضاة الله -عز وعلا- ولتحتفظي بتلك المشاعر لتظل طاهرة نقية في قلبك بلا اتصال بلاتواصل بلا حديث "وقد" يفكر محبوبك أن يبتكر طريقة "مشروعه" للاطمئنان عليك بشكل عام وأمام أهلك ودون احتكاك خاص بك كأن يتصادق مثلا مع أخيك ليمهد لنفسه طريقا منطقيًّا عبر هذا العام ليتزوجك، حتى يحين الوقت ليدق بابك ويجلس مع أبيك ليفوز بك زوجة برضا من الله وبمباركة الأهل.

ولا أخفي عليك خوفاً أستشعره إذا ظللتما هذا العام كما كنتما من تواصل أن يكشفه الله لأي سبب فيكون كشفه سبباً قوياً لزيادة فقدان ثقة والدتك بك وتدهور العلاقة بينكما وكذلك لرفضه دون أن يأخذ فرصة حقيقية مع أسرتك للتقدم لك.
أما والدتك؛ فهي كأي أم تخاف على ابنتها في ظل ما تراه وتسمعه كل يوم وكل لحظة، فيخونها تعبيرها عن هذا الخوف والطريقة التي تحافظ بها عليك من أي سوء يصيبك، كما تصور لها أحاسيسها وتفكيرها، ولكن الأمانة تقتضي أن أقول إنه حين نتحدث عن الثقة فينا نحتاج أن نعترف أننا نحن من يبني جسر الثقة بيننا وبين الآخرين بأفعالنا أكثر من رجائنا إياهم للثقة فينا، وكذلك القرب من الآخرين يحتاج منا أن نعرف أنه "قرار" نبادر به نحن قبل أن ننتظر الآخر أن يبادر هو بالقرب منا، فحين نقرر أن فلانا سنتركه يقترب منا فإننا نتركه يقترب لأنه جدير بهذا القرب على أن نقترب بمهارة، ولا تتصوري أن القرب من الأم يأتي تلقائيًّا خاصة حين لا تكون على دراية كافية بطرق التعامل مع الأبناء أو حين تكون تحت تأثير سطوة وسيطرة الأخبار السيئة التي تحملها لنا الحياة كل يوم في أخبار الحوادث أو مما يحدث مع أناس كنا نعرفهم عن قرب!
فلتقرري أنت الاقتراب ولتفسحي أنت لها المجال لصداقة بينكما ولتبدئي بأهم مفتاحين؛ الأول: نوع شخصيتها، الثاني: اهتماماتها أو ما يشغلها وتحتاج المساعدة فيه حتى وإن كانت شئون المنزل!! لتمهدي لنفسك قرباً منها سيفيدك كثيرا في كل الأمور فلا تنتظري الأقدار أن تدبر لك كل شيء.
 فصيامك عن التواصل مع محبوبك وانشغالك ببناء تواصل طيب مع والدتك سيصقلان إرادتك وشخصك برغم ألمك، وحين يصير محبوبك زوجاً لك وأنت تنعمين برضاء الله وبقربك من والدتك ستنظرين لآلامك بأنها كانت مهمة وضرورية؛ لأن ما حققته من نجاح على مستوى نفسك ومستوى حياتك وعلاقاتك كان يستحق تلك المقاومة والألم عن جدارة.

| 0 التعليقات ]

السلام عليكم..
رجاء ساعدوني، فأنا أحب زوجي كثيرا وهو يقول إنه يحبني أيضا، ولكنني أشعر أنه لا يحترمني ولا يدعمني، هو لا يريدني أن أعمل بالرغم من أننا لا نملك شقة، وحجته في ذلك كما يقول لي إنه لا يريدني أن أتعب، كما أنه يعمل 12 ساعة يوميا، وأنا أجلس وحدي طوال اليوم.

كنا قد اتفقنا قبل الزواج أن يمكنني العمل إذا أردت ذلك، ولكنه الآن لا يريدني أن أخرج خارج المنزل في أي وقت، وإذا خرجنا معا لا يبدو سعيدا.
وعندما يجلس بالمنزل يشاهد التلفزيون أو يجلس على جهاز الكمبيوتر طول الوقت ويتركني وحدي.

أريد أن أعمل وأريد أن أستمر في حياتي معه، ولكن الآن أشعر أنني لا أستطيع البقاء معه.. أشعر بالأسف إذا جرحته أو تسببت له بالألم، ولكنني لا أدرى ماذا أفعل؟
أرجو أن تساعدوني فأنا لا أريد أن أخسره.
وأشكركم كثيرا.


وعليكم السلام ورحمة الله..
هناك نوع من الأزواج يطلب من زوجته أن يكون هو "كل" حياتها، بينما على الجانب الآخر لا تكون هي "كل" حياته.
هذا النوع من الأزواج ليس سيئا، ولكنه فقط يحتاج وقتا وجهدا وحكمة حتى يشعر بزوجته، وحتى يعطيها قدرا أعلى من الاهتمام، وحتى يسمح لها ببعض النشاط أو العمل.

لماذا أقول إنه ليس سيئا؛ لأن هناك أفكارا معينة في عقله، وهذه الأفكار قد يكون بعضها صحيحا، وقد يكون البعض الآخر خطأ نتيجة الجهل أو قلة الخبرة بالمرأة، وبالزواج، وبالتالي فهي تحتاج فقط إلى تصحيح، فهو مثلا قد يكون متصورا أنه ما دام ينفق على بيته بشكل جيد، ويعامل زوجته بشكل لطيف فهو إذن زوج مثالي، وهذا في الحقيقة غير صحيح، فالزوجة تحتاج من زوجها اهتماما أكثر من هذا.

وهو أيضا قد يتصور أنك عندما تعملين ستصابين بالإجهاد مما قد يؤثر على اهتمامك به، وهذا أيضا قد يكون غير صحيح.
هذه الأفكار تحتاج منك -كما ذكرت- وقتا طويلا لتغييرها، ولكن المهم أن يتم هذا بدون "نكد" أو وسائل تؤدي للنفور والملل من ناحيته، بل يجب أن تكوني لطيفة وصبورة، وتختاري الأسلوب المناسب والوقت المناسب.
على الجانب الآخر هو قد يكون مُحقا في بعض أفكاره، فهو مثلا من حقه أن يشاهد التلفزيون، وأن يجلس على الكمبيوتر، فليس معنى أنه يعمل 12 ساعة في اليوم أنه يجب أن يقضي باقي الوقت كله في البيت معك.
وأيضا قد يكون محقا في أن العمل ربما يكون غير مناسب لك الآن، أنا أقول (ربما)!! فقد تكون ظروف العمل في البلد الذي تعيشون فيه، لا توفر عملا إلا لساعات طويلة جدّا، بحيث يصعب عليك فعلا التوازن بين العمل والبيت والزوج، ويكلفك ما لا تطيقين من الجهد.. وربما يعلم زوجك أنك غير معتادة مثلا على الجهد من قبل؛ لذلك يتوقع أن تصابي بالإجهاد، مما يؤثر على علاقتك به.
وكأن خلاصة كلامي هي: بعض أفكار زوجك قد تكون صحيحة، فناقشيها معه ومع نفسك في هدوء، ولا مانع أن تحققي مطلبه، خاصة إن كان محقا، حتى لو كان هذا على حساب رغبتك، وعلى الجانب الآخر، هناك أفكار لديه خاطئة نتيجة الجهل وقلة الخبرة، وهذه عليك أن تغيريها بهدوء ودون صدام أو نكد.
قد تستخدمين "الرقة" حينا أو "البكاء" حينا آخر أو "الحجة والمنطق" أحيانا، ولكن في كل الأحوال بكل حب وصبر.
وربما تقبلين ببعض الحلول الوسط مثل: النشاط الاجتماعي، لبعض الوقت بدلا من العمل لكل الوقت، أقصد أن أقول إن فكرة الحلول الوسط فكرة لا بأس بها في كثير من الأحيان في الحياة الزوجية.
لقد انزعجت جدا عندما قلت: أشعر أني لا أريد البقاء معه!!
أزعجتني هذه الكلمة؛ لأنك رفعت الراية البيضاء مع أول مشكلة.

الحياة الزوجية طويلة، ومليئة بالتحديات، ولا تناسبها أبدا روح الاستسلام، وإنما تحتاج نفسا طويلا وتقبلا للمسئولية وإصرارا على النجاح بإذن الله.

| 0 التعليقات ]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أنا سيدة عمري 35 سنة متزوجة منذ 17 عاما بزوج ملتزم وطيب يكبرني بتسع سنين، لدينا أربعة أطفال..الاثنان الأولان أتيا بالترحاب والتهليل.. والاثنان الأخيران قدر الله وما شاء فعل.

في المدة الأخيرة أصبحت ظاهرة عدم المسؤولية واللامبالاة واضحة بشدة في زوجي -زوجي الذي أحببته بجنون وأشعر أن حبي له بدأ يتناقص مع الأيام- تخلى عن دوره الاجتماعي والثقافي والديني والتعليمي لأبنائه على الرغم من أنه أستاذ جامعي متفوق.
يقول لي: هذه حدودي.. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. لكني لا أقبل هذا العذر بل أراه إنسانا أنانيا لا يهتم إلا بشؤونه الخاصة ويحرص على راحته فقط.
يعطي للجنس والأكل أهمية كبيرة في حياته.. فهو كثيرا ما يشاهد المواقع الإباحية.. ولما أقول له هذا حرام.. يرد بكل برود أن أعراض الكفار مستباحة.. يعني لا يشعر بالذنب.. فركزت على اهتماماته حتى أصبحت فنانة في المطبخ والفراش.

وكذلك لما أحسست أنه يحن لأيام ما كنا بدون أطفال.. على الرغم من أنني لست من الأمهات المتعلقة بأبنائها.. حاولت جاهدة أن أوفر له الجو المناسب الذي يتمناه.. بحيث لا يزعجه أحد بخلوته في مكتبه الخاص.. ولا أشغله بمشاكلنا.
حاولت الاهتمام به أكثر وعلى حساب أمومتي واعتبرته ابني المدلل الخامس.. لدرجة أشعر بتقصيري نحوهم إذا قارنت نفسي بغيري من الأمهات، لكني أحيانا كثيرة أشعر أني أتعامل مع كمبيوتر.. بلا أحاسيس.. لدرجة أنه يتحرج من أن يناديني باسمي.. فقط تعالي .. خذي .. اسمعي..
قلت له مرة أخشى أن أموت ولا أسمعك تنطق باسمي.. ولكنه يبسط الأمر يعتبر أن هذه أشياء تافهة.. لأنه لا يعطي للعاطفة أدنى اعتبار، ومحاولة مني للتأقلم مع الوضع وضعت قلبي جانبا.. وجاهدت نفسي كثيرا كي تصبح رؤيتي للأشياء رؤية عقلانية.
صدقني أنا أحبه كثيرا.. لكن أخشى أن يأتي يوما أفقد هذا الحب.
دلوني على كيفية التعامل مع زوج بهذا الشكل..
كيف أقوى على القيام بدور الأم ودور الأب ودور الزوجة ودور العاشقة الولهانة.. في نفس الوقت؟؟؟
وأرجو المعذرة على الإطالة. وتقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير.


الأخت الفاضلة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا رأينا المشكلة من منظورك أنت فقط فقد يتبادر إلى الذهن أننا أمام زوج نرجسي أناني لا يهتم إلا باحتياجاته الخاصة من طعام وشراب وجنس وتفوق اجتماعي وعلمي، وأنه لا يعيرك ولا يعير أبناءه أي اهتمام، ولا يتحمل مسئولية أحد، وأنه فقط يبحث عن ما يمتعه ويرفعه، وإذا لم يجد كفايته عندك فهو يستكمل ذلك من القنوات الإباحية ويبرر ذلك لنفسه ولك بقوله "إن أعراض الكفار مستباحة."

وفي هذه الصورة السلبية يبدو دورك محدودا جدا ولا يتعدى إشباع بطنه وفرجه، ولهذا لا يناديك باسمك أبدا، وكأنك في نظره لست إنسانة كاملة ولست زوجة حقيقية بل تقومين بدور جارية تحت مسمى زوجة، وتلك العلاقة المبتورة الفاترة تنسحب على الأولاد فهو – كما ذكرت– لا يقوم بواجباته التربوية نحوهم ولا يشعر بهم، وقد يكون تفسير ذلك أنهم امتداد لك، وبما أنه لا يهتم بك وأنت الأصل فمن باب أولى لا يهتم بالفرع، أو يكون ذلك راجعا إلى طبيعته النرجسية الذاتية الأنانية، فمثل هذه الشخصيات لا تستطيع أن تحب أحدا حيث تتفرغ لحب نفسها فقط، ولا تستطيع أن تتحمل مسئولية أحد بل تطلب من الآخرين التفاني في خدمتها.
قد يكون كل ما سبق صحيحا وتكونين بذلك وقعت في فخ الزواج من شخص نرجسي يتطلب منك دور الخدمة لاحتياجاته دون مقابل أو بمقابل مادي فقط، ولا يستطيع أن يمنحك أي مشاعر أو حتى يمنح أولادك، ومهما فعلت من أجله فلن يتغير ولن يتحول إلى زوج ودود محب يحترمك كإنسانة ويقدر نعمة الذرية ويرعاها، وهكذا نكون أمام موقف صعب من الناحية الواقعية، ولا يصلح معه غير الصبر من ناحيتك وقبول هذا الزوج بعيبه، والتفرغ لتربية أبنائك فهم ثروتك في هذه الحياة.
ولكن هناك منظور آخر لهذه المشكلة قد يكون أكثر تفاؤلا وإيجابية ذلك المنظور يتضح من خلال الفارق التعليمي بينكما فهو أستاذ جامعي متفوق، وأنت لم تكملي تعليمك، وكما ذكرت فإنك مادون الثانوية، وربما يكون هذا مفتاحا مهما في فهم ما يجري، ويجعلنا نقرأ المشكلة بطريقة مختلفة؛ وهي أن زوجك يتطور علميا وثقافيا بحكم وظيفته ومركزه العلمي، بينما توقفت أنت وانحصر دورك في المطبخ والفراش،  فأصبحت بالنسبة له مجرد أداة لتلبية احتياجاته الجسدية.

 وهذا هو أحد مستويات العلاقة الزوجية (المستوى الجسدي)، ولكن يبقى المستوى العاطفي والمستوى العقلي والمستوى الروحي، ويبدو أن هذه المستويات الأعلى غير متحققة بينكما وبالتالي غير مشبعة، وقد يكون ذلك بسبب الفارق العلمي والثقافي أو بسبب طبيعة شخصية كل منكما بحيث لم تلتقيا إلا في المستوى الأدنى للعلاقة.
والشاب في بداية حياته يكون في حاجة لإشباع المستوى الجسدي فيندفع إلى الزواج تحت تأثير هذا الاحتياج، ولكن بعد فترة ينتبه إلى احتياجه للمستويات الأخرى في العلاقة، فإن لم يجدها أصابه الإحباط واعتراه الفتور في العلاقة الزوجية، وربما يفسر ذلك عدم مناداته لك باسمك وكأنه لا يراك امرأة مكتملة لها اسم ولها كيان، وإنما يراك أداة تمنحه إشباعات جزئية لبطنه وفرجه، ولا يجد ما يتحدث معك فيه .
وأنت تتعجبين: كيف أوفر له كل وسائل الراحة وهو لا يزداد نحوي إلا تجاهلا وفتورا وجحودا؟.. نعم فالسيد لا يشكر جاريته غالبا لأنه يتوقع منها التفاني في خدمته، وللأسف فهذه هي العلاقة بينكما، علاقة سيد بجاريته أو بخادمته، وليست علاقة زوجية سويّة، ولن يجدي هنا مزيد من التفنن في المطبخ أو الفراش، ولكن  قد يجدي الانتباه إلى ذلك الفارق التعليمي والثقافي الذي يزداد يوما بعد يوم بينكما دون أن تدري؛ لأنك لم تتحدثي عنه في رسالتك أبدا، وإنما تم التقاطه من بياناتك الشخصية في الرسالة.
وهذا المنظور الثاني للمشكلة قد لا ينفي المنظور الأول ولكن يكمله، ولكن إذا اعتمدناه كجزء مهم في المشكلة فيمكن أن نرى شيئا تفعلينه، إذ يتضمن ذلك الشيء تغييرا في نفسك، ونحن نقدر على تغيير أنفسنا أكثر مما نقدر على تغيير الآخرين، فمثلا تسلطين الضوء على هذه الفجوة المعرفية بينكما والتي قد تجعل زوجك لا يجد شيئا يتحدث فيه إليك، إذ إن مستواك التعليمي قد لا يرقى إلى مستوى بعض العمال في الجامعة التي يعمل فيها، ولست أدري شيئا عن مستواك الثقافي أو تجاربك الحياتية.
 ولحسن الحظ أن هذه الأشياء مما يمكن تحسينه وتنميته، فكثير من الزوجات اللائي لم ينلن حظهن من التعليم استكملن تعليمهن في ظروف لاحقة، ووصلن إلى المراحل الجامعية بل والدراسات العليا، وهذا الاستكمال لتعليمك سيفيدك أنت شخصيا ويفيدك في تربية أبنائك ويجعلك أقرب إليهم خاصة حين يكبرون، وقد يقلل الفجوة بينك وبين زوجك فيحسن العلاقة بدرجة أو بأخرى، والأمر لا يقتصر فقط على الدرجة التعليمية ولكن يكتمل بالقراءة والثقافة وتوسيع مجالات الاهتمامات الحياتية والأنشطة الاجتماعية.
 كما أنك في رحلتك لتنمية ذاتك وتوسيع دائرة حياتك ستكفين عن دور الخادمة المتعلقة طول الوقت بسيدها، وستشعرين بأنك تفعلين شيئا لذاتك أنت، شيئا تحبينه وتفخرين به، وبهذا يحدث توازن بين عطاءاتك لزوجك ولأبنائك ولنفسك، وستجدين بعد فترة أن شخصيتك تزداد ثراء وتألقا، وربما تكونين أكثر جاذبية لزوجك الذي زهد فيك حين لم ير فيك ما يبهره أو يثير مستويات اهتمامه، وحتى لو لم يتحقق هذا الهدف الأخير فستشعرين بتوازن في نظرتك للحياة، وتقل نقمتك على زوجك الذي أعطيته كل شيء وسخرت نفسك لخدمته ليل نهار وهو في المقابل أهملك ووضعك تحت قدميه أنت وأولادك، إذن فنحن الذين نضع أنفسنا حيث نحب ولا نترك للآخرين أن يضعونا، خاصة إذا ثبت لنا أن الآخرين يهتمون بأنفسهم فقط ولا يضعوننا في الاعتبار إلا بقدر ما نقدم لهم من خدمات، أو لا يضعوننا في الاعتبار أصلا.
نعود فنوجز المطلوب، وهو تنمية ذاتك على مستويات تعليمية وثقافية وحياتية متعددة، مع الاحتفاظ بالأمل في أن تتحسن رؤية الزوج لك في يوم من الأيام حين تتحسن رؤيتك لذاتك وتنتقلين من دور الخادمة مجهولة الاسم إلى دور الزوجة الإنسانة المكتملة المحترمة المرغوبة على المستويات الجسدية والعاطفية والعقلية والروحية، وأن تلتمسي العذر أو بعض العذر لزوجك حتى تنتصري في معركة التغيير لنفسك، ولتتأكدي أنك رابحة في كل الحالات إذا تغيرت سواء استعدت حب زوجك أو لم تستعيديه بالشكل الذي تتمنينه، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

| 0 التعليقات ]

يقظة الضمير
للكاتب : د.أحمد بن صالح الطويان


يقظة الضمير، وحياة الإحساس، وفرقان القلب، وواعظ الله في القلب نعمة من نعم الله ينعم بها على من يشاء من عباده.

فالتفريق بين الحق والباطل والنافع والضار، والخير والشر صفة من صفات الأتقياء الأنقياء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].

والإحساس بالخطأ وسرعة الرجوع وتأنيب الضمير ووجل القلب والخوف من الذنب من صفات المؤمنين {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].

وإن من أعظم العقوبات المعجلة في الدنيا موت الإحساس فلا يبالي بالمنكرات ولا المعاصي فيسلب من القلب عظمتها وخطرها فلا يميز بينها وأشد من ذلك أنس القلب بها ومحبتها فينسلخ من القلب استقباحها وأشد من ذلك الإفتخار بها والفرح بارتكابها والسرور بحصولها.

فالإستهانة بالمحرمات من أعظم المصائب روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال هكذا ...».

فإذا وقع في القلب زينة المحرمات والتعلق بها كان ممن زُين له سوء عمله فرآه حسناً قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103-104]. وقال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8].

أيها الأخوة:

حين ينظر الإنسان إلى سيرته وعمله هل هو يتورع عن المحرمات والمكاسب المحرمة؟؟.

هل يحس بالتقصير والزللل؟، هل هو يعترف بالذنب والخطأ؟، ما هي مكاسبه من أين مأكله ومشاربه وملابسه هل هي من الغش والخداع؟!، هل هي من الربا والمعاملات المحرمة؟!، هل هي من الرشوة وأكل أموال الناس بالباطل؟!

لقد كثرت المعاملات وانغمس الناس في أوحال المعاملات المحرمة والمشبوهة، وتاجر الكثير في الحصول على حطام الدنيا الفاني.

أتي أبو بكر الصديق بطعام فلما أكله سأل خادمه من أين لك ذلك قال من كهانة تكهنت بها في الجاهلية فأدخل يده في فمه فأخرج الطعام كله وقال:"لو لم تخرج آخر لقمة إلا مع نفسي لأخرجتها".

قال ابن أدهم: "أطب مطعمك، ولا عليك ألا تقوم الليل وتصوم النهار".

وقال ابن السائب قال بعض السلف: "لترك دانق مما يكره الله أحب إليَّ من خمس مائة حجة".

وأكل معمر عند أهله فاكهة ثم سأل فقيل هدية من فلانة النواحة فقام فتقيأ.

قال الفضيل: "لم يزين الناس بشيء أفضل من الصدق وطلب الحلال". فقال ابنه علي: "يا أبتاه إن الحلال عزيز فقال يا بني وإن قليله عند الله كثير".

أيها الأخوة:

إن القلوب الحية المستنيرة بنور الله هي تلك القلوب الأوابة الرجاعة إلى الحق والهدى التي تنظر إلى نجاتها وتحس بنقصها.

خرج عمر إلى حائط له ففاتته صلاة العصر فتصدق بالحائط لوجه الله.

وكان سعيد بن عبدالعزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى.

وكان المزني إذا فاتتة صلاة الجماعة صلى تلك الصلاة خمسًا وعشرين مرة.

وقال محمد التميمي: "مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوم ماتت أمي فصليت خمسًا وعشرين صلاة أريد التضعيف".

إن تلك القلوب تهتز خوفًا من المحرمات وتطير هلعًا من السيئات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإثم ما حك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس» وقال: «الإثم حواز القلوب» وقال: «البر ما سكنت إليه النفس» [صحيح الألباني].

فمراقبة الله في قلوبهم يستشعرون رؤيته قال عبدالله بن دينار: "خرجت مع ابن عمر إلى مكة فعرسّنا فانحدر إلينا راع من جبل فقال له ابن عمر أراع قال نعم قال بعني شاة من الغنم فقال إني مملوك قال قل ليسدك أكلها الذئب قال فأين الله عز وجل قال ابن عمر فأين الله ثم بكى ثم اشتراه بعدُ فاعتقه".

قال حاتم الأصم: "تعاهد نفسك في ثلاث، إذا عملت فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله منك، وإذا سكت فاذكر علم الله فيك".

{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس:61]. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7].

فمن أراد أن تمتد يده إلى الحرام فليعلم أن الله يراه ومن دعته نفسه إلى الحرام فليعلم أن الله يراه.

إذا ما خلوت الدهر يومًا *** فلا تقل خلوت ولكن علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا ما تخفي عليه يغيب

إذا خلوت في ظلمة في ريبة *** والنفس داعية إلى العصيان

فاستحي من نظر الإله *** وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني


فمن يختفي عن نظر الناس فإن عين الله تراه قال أحد السلف ":لا يكن أهون الناظرين إليك الله".

قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } [النساء:107-108].

قال بلال بن سعد: "لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت".

فمن كان الحرام بين يديه فليتق الله وليدعه خوفًا من الله فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ومن ترك الحرام خوفًا من الله وتعظيمًا لله أورثه نعيمًا في قلبه ونورًا في بصيرته.

أيها الأخوة:

في وقت كثرت فيه الفتن والمغريات وتفنن فيه أهل الشهوات ما أحوجنا إلى صلاح ما فسد في قلوبنا وأن نحيي واعظ الله في قلوبنا وأن تكون التربية للأجيال والأولاد في تبصيرهم بالحلال والحرام وغرس الإيمان في قلوبهم واستشعار مراقبة الله تعالى في نفوسهم.

فإحياء الإحساس في قلوبهم وإيقاظ ضمائرهم في استشعار عظمة المحرمات وحرمة الاستهانة بها طريق من طرق التحصين للنفوس والأجيال مع المجاهدة والمحاسبة والعلم النافع الذي يثمر العمل الصالح والذكرى التي تنفع المؤمنين المتقين.

قال محمد بن إبراهيم بن حمش: "سمعت أبي يقول إذا لم تطلع ربك فلا تأكل من رزقه وإذا لم تجيب نهيه فاخرج من مملكته وإذا لم ترضى بفعله فاطلب ربًا سواه وإذا عصيته فاخرج إلى مكان لا يراك".

| 0 التعليقات ]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرجو أن تتسع صدوركم لسماعي لأني تعبانة قوي قوي قوي.

تبتدي الحكاية من زمان قوي من 9 سنين تقريبا، كنت شابة صغيرة الكل يشهد لي بحسن الخلق والتدين والالتزام، كان دايما حلمي أن أتزوج رجلا ملتزما ملتحيا وحافظا القرآن ونحيا حياتنا على طاعة الله.

تقدم لخطبتي رجل طيب ولم أعترض ووافق أهلي، لم يكن بمواصفاتي ولكنه كما قلت طيب يصلي بعض فروضه في المسجد، وتزوجنا ورزقني الله منه أجمل طفلين، وفي يوم كنا بنعمل شغل وجاء شاب لمساعدتنا في العمل، كان ما شاء الله عليه ملتزم ومتدين وحافظ لكتاب الله، سافر زوجي للعمل بالخارج وسافرت معه.

وفي يوم وأنا مع زوجي في الغربة وجدتني اتصل بهذا الشاب مش عارفة ليه؟ كنت عايزة أعرف رد فعله في اتصال فتاة بيه طبعا وهو ميعرفش أنا مين، المهم طلبت منه إيميله لأراسله وفعلا أعطاه لي وكلمته على الشات، لم أعطه معلومات صادقة عن سني فأنا أكبر منه، ولا عن كوني طبعا متزوجة.

وتوطدت العلاقة بيننا كنا نتكلم في مواضيع عامة ودينية وبكل احترام لا تبذل ولا تفريط، وبعد فترة تعلق هو بي، وهو طبعا لا يعرف من أكون وطلب مني أن يتقدم لخطبتي وطبعا رفضت وتعللت بأمور كثيرة.

وكلما مرت الأيام يزداد تعلقه بي حتى صارحني وهو الشاب المتدين بمدى حبه لي، وأنا أيضا كنت أحس بميل له، كنت أرى فيه الرجل الذي طالما تمنيت أن أكون زوجته وتكلمت معه فيما كنت أتمنى أن أتكلم فيه مع زوجي ولكن كان زوجي لا يبالي بهذا الكلام بأنني أريد أن أعيش معه في طاعة الله.

أشعر أنني أخون زوجي وأعصي ربي، وتماديت معه أصبحت أكلمه على الموبايل وعلى الشات حتى زاد تعلقه وأصبح يسمعني كلمات الغزل والحب وهو يشهد الله أنه ما كان يقولها إلا لأنه يرجو من الله أن أكون زوجته.

أفقت مما أنا فيه من ظلم لنفسي وزوجي وأولادي وظلم لشاب طيب القلب لم يسئ لي في شيء، وصارحته أنني عقدت قراني، طبعا ليست الحقيقة كاملة ولكن لأبعده عني وليحيا حياته.

حالة الشاب سيئة جدا وقال لي إنه يدعو الله أن يفارق الحياة وهو على طاعة الله وتكلمت مع أمه فقالت إنه لا يأكل أو يشرب. أحس بالذنب ولا أقدر على نسيان كلماته الرقيقة ومشاعره الطيبة ولا أنكر شعوري بالخزي مما فعلت.

توقفت عن محادثته أو الشات معه ولكني لا أستطيع أن أقاوم رغبتي في الاطمئنان عليه وعن أحواله.

أعرف ما يمكن أن يقال عني ولي ولكني تعبانة ومش لاقية حد أتكلم معاه.

ساعدوني بالله عليكم..
ها أنت ترسلين لنا مشكلتك، وهذا يدل على حقيقة واضحة وهي أنك تمرين بلحظات ضعف وألم عصيبة وقاسية، وأنك تبحثين فعلاً عمن يساعدك في الخروج من سقطاتك وخطاياك.

أنت إذا كنت قد استسلمت تمامًا للضعف والمعصية، لما كنت أرسلت لنا مشكلتك، أيضًا ولما كنت اخترت موقعنا الذي تعلمي أنه جاد وملتزم، وتعلمين أننا بالتأكيد لن نوافقك على أخطائك، بل وأننا سنلومك ونعاتبك، وربما نقسو عليك!! ولكنك رغم هذا أرسلت لنا مشكلتك مستغيثة، وباحثة عن (قشة) تتعلقين بها قبل الغرق.

هناك حقيقتان أرجو أن تتفقي معي فيهما، وأن تكوني مؤمنة بهما تمامًا حتى تستطيعي الخروج مما أنت فيه؛ لأن أي اهتزاز في يقينك بهذه الحقائق لا يعني سوى المزيد من التمادي في الخطأ، والمزيد من الضعف والاستسلام.

الحقيقة الأولى: أن (الحب) رغم أنه هو الروح التي تبعث السعادة في حياتنا، وتحيي موت قلوبنا، وتكسر ملل الأعباء والواجبات والضغوط، إلا أنه بمجرد أن يكون خارج إطار الشرع، فإنه يتحول إلى فعل قبيح، ويصبح بطله الأول هو الشيطان الذي يستخدم سلاحيه الخبيثين: (تزيين) المعصية و(تسويف) التوب، وهذه هي الحقيقة الأولى، وهي أن هذه العلاقة هي فعل شيطاني، وأن كل شيء جميل فيها هو من تزيين الشيطان (حتى ولو كان هذا الشاب يعينك على طاعة) وأن كل تسويف وتأخير في قطعها والتوقف عنها هو أيضًا بوسوسة من الشيطان الذي وجد فيك تلميذة مجتهدة تتبع (خطواته)، بدأب وتفاني شديد.

الحقيقة الثانية: أن علاقتك بهذا الشاب (مستحيل) أن تأخذ في المستقبل أي مسار نظيف، وأن استمرارها بأي شكل من الأشكال ـ حتى لو كان هذا بحجة الاطمئنان عليه، أو بدافع الشفقة، أو الشعور بالذنب تجاهه ـ أي استمرار لن يؤدي إلا للمزيد من الدنس والخطيئة؛ لأن النفس ضعيفة وغير مرتوية، ولا يمكن أن تضعي على شفتيك كوب الماء البارد في يوم شديد الحرارة، ثم توهمي نفسك بأنك لن تشربي، وإنما يجب أن تبعدي الكوب تمامًا عنك حتى لا تتورطي في المزيد من السقطات.

كما أن (زواجك) منه أيضًا مستحيل؛ لأنك متزوجة؛ لأنك اختبرت زوجك (كزوج، وكأب لأولادك) عدة سنوات طويلة فنجح، وليس من العقل أن تطلبي الطلاق لتتزوجي شخصًا آخر قد جربتيه (كعشيق)، ولم تجربيه كزوج، بالإضافة إلى أن هذا الشاب إذا عرف أنك كنت تخدعيه طوال هذه الفترة، فإنه لن يقبل أن يتزوجك؛ لأنه لن يستأمن (خائنة) على بيته وشرفه، وحتى إذا وافق فإن أهله لن يوافقوا، ولو تجاوزتم كل هذه العقبات فإنه سيفيق بعد فترة ليتفجر بداخله بركان الاحتقار تجاهك، هذا البركان الذي كان مختبئًا في سكرة الحب والهوى.

الحقيقة الثانية إذن هي أنه من المستحيل أن تأخذ هذه العلاقة أي مسار نظيف، وبالتالي لا يوجد سوى اختيار واحد وهو: التوقف عنها فورًا وللأبد وبلا عودة أو مسامير جحا.

هاتان هما الحقيقتان: هذه العلاقة شيطانية، لا يوجد اختيار آخر سوى قطعها نهائيًا؛ لأن كل تطوراتها غير نظيفة.. والآن ما العمل؟

الخطوة الأولى: التوبة.. الآن وفورًا.. وأهم ما في التوبة يا عزيزتي هو (الندم) على ما فات.

لا مانع أننا أثناء توبتنا نتذلل إلى الله تعالى، بالدوافع التي دفعتنا للخطأ، ولكن نعلن له سبحانه ولأنفسنا أن هذه الدوافع لا تبرئنا من الإثم، نعلن اعتذارنا وأملنا في أن يسامحنا ويتجاوز عن سيئاتنا ويعاملنا بعفوه، وفضله، وستره.
تقفين أمام الله تعالى، وتعلنين استعدادك لتحمل آلام الفراق والحنين في الشهور المقبلة، وأن هذه الآلام هي (الكفارة) التي تكفرين بها عن لحظات السعادة المحرمة التي خُنت فيها زوجك وأولادك ونفسك وربك.

تتوجهين إلى الله بالدعاء أنه ـ سبحانه ـ في مقابل هذه الشهور القاسية التي ستمرين بها، أنه سبحانه يبدل سيئاتك حسنات، كما وعد عباده التوابين الصادقين.
الخطوة الثانية: أن تقطعي كل سبل التواصل معه، مثل تغيير الإيميل، أو التليفون، وعدم الاتصال بأي شخص يعرفه، وعدم التلصص على أخباره بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأن تعتبري هذا الجزء من حياتك (ماضٍ) قد انتهى، وترك بعض الألم والتجارب والدروس، كما ترك أيضًا كثير من ثواب التوبة، والرجوع إلى الله، والنجاح في الامتحان العصيب والابتلاء القاسي، واختيار الفضيلة ـ رغم أشواكها ـ وهجر الرذيلة رغم لذتها.

الخطوة الثالثة: ستمرين كثيرًا بلحظات (لهفة) حيث ستشعرين أنك غير قادرة على حرمان نفسك من الحبيب، كما ستمرين بلحظات (اكتئاب)، حيث ستشعرين أنك كارهة لزوجك، وأبنائك، وحياتك، وستمرين أيضًا بلحظات غضب وألم وعطش.

ولذلك عليك أن تضعي أمام عينيك مجموعة من الوسائل المتنوعة التي تساعدك على تجاوز هذه اللحظات مثل: الدعاء ـ الاستغفار ـ ممارسة نشاط ممتع ـ الاتصال بصديقة ـ النشاط مع صحبة خير ـ تطلبي من نفسك أن يمر "اليوم" فقط دون خطأ، وعندما يأتي (غدًا)، تطلبين من نفسك أن يمر هو أيضًا دون خطأ، وهكذا حتى تمر الشهور المقبلة كلها دون خطأ.
جددي حياتك مع زوجك، وإن كان هذا التجديد لن يعطيك نفس اللذة، ولكنه سيحسن الوضع كثيرًا.

استمتعي بحضن أبنائك، شُمي رائحة عرقهم، انظري لعيونهم اللامعة التي تناديك وتحتاجك.

وأخيرًا.. امتلئ فخرًا بنفسك بسبب قوتك ومقاومتك، واستمرارك في مجاهدة نفسك، واختيارك للجنة المحفوفة بالمكاره، والأشواك.
أدعو الله تعالى أن يهبك القوة، والعزيمة، والصدق.

| 0 التعليقات ]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا شاب -ولا أزكي على الله نفسي- ملتزم دينيا وأراعي الله في رزقي وأعمالي. ارتبطت بفتاة من الجامعة وأحببتها، ويعلم الله كيف أحببتها روحا بلا جسد، أخلصت لها، لم أقابل فتاة في حياتي أو عملي إلا وأخبرتها أنني مرتبط بها.

كان يؤلمني أن والدها مسافر وهو يغار على بناته جدًّا ودائم الشك، وحكيت لها أكثر من مرة أننا لا بد أن نفترق مؤقتًا حتى لا أشعر أكثر من ذلك بالذنب، ولكنها كانت تصر على الاستمرار؛ لأن علاقتنا بريئة حتى يوفقنا الله بالزواج، وتقول إنها تعلم أنها قد تكون تعدت على حقوق مَن سيكون زوجها حتى بعلاقتنا البريئة.

7 سنين مرت كنا فيها نتقابل قليلا بمعدل مرتين شهريًّا حفاظًا عليها، وكنا نتحدث يوميا في التليفون دائما، أنا أعلم أن ذلك كان خطأ ولكنها كانت مكالمات عفيفة، كان كل أملي أن تكون راضية عني، ولم أحتمل بكاءها مني في يوم (لم تكن هذه السنوات مليئة بالورود ولكن كان فيها من المشاكل والاختلافات).

عندما بدأت أموري المالية في الاستقرار فاتحت والدي في أمر الزواج، وكان مترددا حتى مات يرحمه الله، وأخبرت الفتاة في نهاية السنة السادسة أنها في حل مني إذا أرادت ذلك؛ فبكت وقالت إنني معك حتى النهاية، بالفعل كانت تحبني ومستعدة للتضحية، في آخر سنة فقدت جزءًا كبيرًا جدًّا من مدخراتي في التجارة وأخبرتها أنني مع ذلك سأتقدم لوالدها وربنا يوفق.

ولما كانت البنت تعلم أن والدها سيشك في العلاقة فقد اقترحت أن أذهب إلى أخيها بحجة أنني عريس عادي، فقابلته، فشك الفتى في ذلك، وطلبت منه أن أقابله مرة أخرى ولكنه تجاهلني، فذهبت إلى خالها الذي اقترح لكي يتم الزواج أن أكتب الشقة باسمها!!

المهم أنني في النهاية ذهبت إلى والدها مع والدتي ودعونا ربنا أن يستر، وقامت البنت بنسج قصة له لإقناعه بأن معرفتنا ببعض معرفة سطحية تمت عن طريق مقابلة عارضة في أحد الأفراح.. شك الرجل في أنني كنت أعلم البنت مسبقًا رجعت أمي غير مطمئنة بسبب بعض الملاحظات.

المهم أنني حاولت إقناعها، فطلبت من صديق لي مر بتجربة طلاق أن يحاول أن يقنعني لاختلاف الثقافة بين العائلتين وهو ما رفضته بشدة.

المهم ذهبت أمي بعد ذلك، وذهبت أنا وهي وصديقي معي -لكي أستعين به على رضا أمي- لنتفق على كل شيء، ظهرت في الصورة بعض الملاحظات السلبية من عائلتها وعدلوا من شروطهم فرضخت على مضض لكي يتم الزواج.

ذهبت بصحبة عائلتي لقراءة الفاتحة فإذا والدها يتحاور معنا بأسلوب فظ وبلا لباقة فخرج الكل مستاء وغير راضٍ عن الزواج، وتحدثت معهم والدتي في التليفون بخصوص هذا الأسلوب بكل ذوق ولكن بحزم، بعد ذلك أخبرتني البنت أنها أخبرت والدها أنني اتصلت واعتذرت عن كلام أمي وهذا لم يحدث، فبدأت المشاكل بيني وبينها؛ لأن ذلك أحرجني أمام والدتي.

وقد عاصرني صديقي في مشاكلي فطلبت منه -للأسف- أن يتصل بها ويخبرها أنني لما حدث لن أستطيع أن أكمل الزواج بهذا الشكل بما فيه إهانة لأهلي؛ فرضخت البنت وقالت إنها لا تستطيع أن تفقدني؛ لأن ربع عمرها عاشته في حبي وسوف تسعى لتغير من أهلها، لأننا في هذه الفترة كان بيننا شد وجذب.

وقد أعلمتها بعد إصرارها بجوانب الاعتراض من أهلي على الزيجة، وهي تتمحور حول تفاصيل ما حدث في قراءة الفاتحة من كلام والدها غير الموزون (والدها شخص متدين، ولكنه مندفع في كلامه ويعتقد أن من أمامه دائما يتحداه) وأن والدتي لا ترغب في الزيجة ولكنني استعنت عليها بالأهل.

علمت أنها اتصلت بصديقي هذا بعد مكالمة تليفون بيني وبينها لتعرض عليه الأمور؛ فاتصلت بها وطلبت منها عدم تكرار ذلك خاصة أنها تحدثت معه ليلا.

المهم ذهبت إلى والدها على مضض من والدتي لكي نتفق على ميعاد الشبكة، واصطحبت صديقي الذي أخبرني قبل منزلها بخطوات أنها لم ينقطع اتصالها به في هذه الأيام، وأبلغته أنها خائفة جدا من المقابلة لأن الرجل لن "يفوت مكالمة والدتي على خير".

المهم ذهبت إلى الرجل وتحدثنا معا في كل تفاصيل الشبكة وقد وضح أن البنت في هذه المقابلة لم تتحدث معي بل كان كل انفعالاتها مع صديقي وكأنها تريد أن تقول له "عملت اللي علي".

وفي النهاية أعطاني الرجل نسخة من شهادة تثبت أنه من أصل الحسين في ظرف وأصر بشدة أن آخذها معي، بل استوقفني عند الخروج عندما نسيتها فخرجت وقد فسرت الموقف استمرارا لفظاظة والدها، ولماذا يفعل ذلك؟ هل هو يريد أن يرسل رسالة إلى والدتي "إحنا مين"... فاتصلت بها بعد الخروج وقلت لها إنني قد أهنت في منزلها وأنهيت المكالمة.

لقد رأيت إنسانة لم أعرفها من قبل، أنا أعلم أنها متصلبة الرأي ومعاندة ولكن ما حدث أشبه بمن ينتقم، اتصلت بي وطلبت مني ألا أتصل بها مدى الحياة وأن هؤلاء أهلها وهي فخورة بهم!!! (والله أنا لم أسئ لهم)، فحاولت الاتصال بها بلا جدوى، هي تصر على عنادها بشدة دون تفاهم.

اعتذرت لها أن كنت فسرت الموضوع خطأ، وأتعجب "كيف هنت عليها هكذا؟"، وطلبت منها أن نتقابل لكي نتفاهم ثم تختار ما تشاء، رفضت قطعيا، فعلت كل شيء ولكن بلا نتيجة، تحدثت إليها من تليفونات كثيرة بلا فائدة، أرسلت إليها رسائل عديدة أعاهدها فيها أمام الله أني سأكون ما تريده.

وقد هانت على نفسي فطلبت من صديقي أن يتصل بها ويفسر لها الموقف؛ لأنه كان معي عند والدها وهي لا تريد محادثتي، فأخبرته أنها ترفض لأسباب في شخصي، وأني أنا وأهلي متكبرون "على الفاضي"، وأن معرفتها بي كانت معرفة سطحية طوال هذه الفترة، وأن هناك من فاتحها بالزواج في العمل ووافقت مبدئيا!! بل وجعلت صديقة لها تتقمص شخصية أختها لتحدثنا على المنزل وتخبرنا بانتهاء الموضوع وأن أرسل متعلقاتها إليها عن طريق صديقي!!!

طلبت من صديقي أمام الآخرين أن ينسحب من الموضوع نهائيا وشككت أنه لا إراديا يقنعها بما تفعله ولا يردها، جعلت أختي الصغيرة تتصل بها لتطيب من خاطرها، واتصلت بوالدتها في اليوم الثاني-بعد إبلاغنا بالرفض- لأقول لها إنني مستعد إن كنت أخطأت في حقها أن أجيء إليها في البيت وأعتذر لها، وبعد مرور 3 أيام أخبرتني أمها أنها ووالدها ليس لديهما مانع في الزواج لكن البنت مصممة على الرفض.

رباه أبعد ذلك كله تقول لي لا، بعد 7 سنين من الحب؟ ولِم؟ وكيف لم تسامحني إن كنت أخطأت؟ (وهي التي قالت لي في آخر مرة قابلتها إنها تتمنى أن تنجب طفلا طيب القلب مثلي وأنها تعلم مدى تديني حق المعرفة)، وقد فسرت ذلك بأنها صلت صلاة استخارة في هذا اليوم ورأت أنني قد غادرت المنزل وأنا غضبان -من غير أن أظهر ذلك أمام أبيها- فكان ذلك دليلا على فشل الزواج، وأنها لن تكمل في هذا الزواج حتى لو أرغمها أبوها على ذلك!!! أنا لا سمح الله لم أرتكب كبيرة، ما حدث هو سوء فهم ووالدها ذو أسلوب خشن في الحديث (برغم تدينه).

أبلغتني عن طريق صديقي –الوسيط- أنها تريد متعلقاتها، بل إنها اعتقدت أنني سأبلغ والدها بتفصيل علاقتنا الماضية وساومتني عليها "إذا لم أرسل لها متعلقاتها فلن تعطيني نقودا كانت في حوزتها ولم أحصل عليها حتى الآن بسبب ضائقة مالية لها"، بل إنني لم يخطر ببالي أساسا ما ظنت أني أفعله لأنني لا أسيء إلى أحد.

أخبرت صديقي أني عازم على إرسالها مع فتاة كما هو المفروض، ولكنه أقنعني أن هذه رغبتها وأنه سيذهب إلى القاهرة على أي حال في مهمة عمل، بعدها مباشرة لإجراء عملية جراحية ظللت طريح الفراش لمدة شهر. وكنت بعدها أتصل بصديقي كيف أنني أتعذب من انتهاء العلاقة ومن ضميري لأنني أكيد قد أسأت إليها بطريقة ما ربما بعصبيتي في الآونة الأخيرة، وأنا أريد أن أعيد الموضوع بأي طريق ولو على حساب نفسي.

وبعد 40 يوما اتصلت بها عسى أن تكون قد راجعت نفسها، فإذا بصوتها مرتعش ثم تمالكت نفسها لتقول إن الموضوع انتهى.

لقد اكتشفت بعد أن قرأت الرسائل على محمول صديقي -الذي هو خطي- أنهما يعيشان قصة حب يتبادلان فيها الرسائل الغرامية والمكالمات فجرا فكدت أسقط على الأرض، وقام صديقي بفبركة قصة مزعومة أنها ظلت تتصل به بعد الموضوع وهو لا يدري لماذا حتى انتهى به الأمر ليعرض عليها الزواج فوافقت فأنكر عليها ذلك وتركها.

استخرجت فاتورة تفصيلية للخط الذي كان يستخدمه صديقي -الذي كان مملوكا لي للآسف- فوجدت أن المكالمات بينهما لم تنقطع من قبل مقابلتي لوالدها آخر مرة، وأن المكالمات فجرا بدأت بينهما بعد إبلاغي رسميا بالرفض من والدتها وأنه لم ينسحب من الموضوع كما قلت له حتى معرفتي للحقيقة؟

وعلمت بطريقة أخرى مؤكدة جدا أنها كانت تحدثه وترسل له رسائل يوميا بعد الواحدة فجرا من تليفونها وتتصل به من يوم رفضها لي، وأن اتصالاتهما لم تنقطع حتى كتابة هذه السطور على خط محمول آخر -لأنني قمت بإيقاف الخط السابق لأنه ملكي بعد دفع فواتيره- ومن المؤكد أنهما تقابلا أكثر من مرة.

وقد علمت أن صديقي في يوم رفضها لي لم يكن لديه أي مهمة عمل وتحايل على لكي يقابلها (علي أي حال هي التي أبلغتنا في المنزل أنها تريد متعلقاتها معه وكأنهما اتفقا على سيناريو متعلقاتها مسبقا).. ما اكتشفته أنهما تحدثا ساعة ونصف الساعة فجرا في نفس اليوم بعد مقابلتها لتسليمها متعلقاتها.

أنا أعلم أن صديقي هذا غير ملتزم وأنه دائما "ينقل الكلام"، وأن العديد من أصدقائي المقربين صرحوا لي أنهم كانوا يريدون تنبيهي منه ولكنهم خشوا أن أفهم كلامهم على نحو خاطئ، وقد أبلغتها ذلك عن طريق رسالة محمول ولكنهما استمرا في علاقتهما.

إنني أسألك سيدي -وأنا لا أبرئ نفسي ولكني والله فعلت كل شيء من أجل تصحيح وضع كان خاطئا برغم عفته- كيف حدث ذلك من فتاة من المفترض أنها كانت تحبني وأنها "تعرف ربنا"؟

ما أتعجب له كيف تكيفت على الوضع الجديد بهذه السهولة؟ وكيف بدأت بعد أسبوع من انتهاء الموضوع رسميا (هذا ما قاله صديقي بعد مواجهته بالفاتورة التفصيلية التي لم تخل من مكالماتهما في كل يوم وكل وقت) في قصة حب جديدة مع شخص العلاقة بينهما هي تليفونات؟

وكيف استمرت هذه التليفونات (مكالمات طويلة بعضها أكثر من ساعة ليلا) مع أن موضوعي انتهى وبأي مبرر؟ وكيف سمحت له أن يتسلل إليها وعلى حساب موضوعي؟ وكيف استمرت في خداع والدها للمرة الثانية على التوالي ولم تراع والدها عندما كررت مثل هذه العلاقة مرة أخرى؟ وماذا لو علم والدها قبل أن يتقدم لها من كان صديقي -إن تقدم لها-؟

كيف ترفضني لأنها اعتقدت أنني أسأت لوالدها (وهذا لم يحدث) وهي الآن تسيء إلى والدها للمرة الثانية وبإصرار بالرغم من المثالية المزعومة؟ ولماذا المكالمات والرسائل والمقابلات ولا تنتظره في بيتها إن كان جادا؟ وكيف تغاضت عن زواجه السابق الذي لم يدم أكثر من 6 أشهر وفارق سن سنتين؟

لو كانت فتاة ساذجة لقلت من الممكن، ولكنها في أعلى درجات التعليم والثقافة والوعي، لو كنت أنا الذي أنهيت الموضوع كنت سأعذرها، إنما هي التي أنهت الموضوع بكل قوة وبكل عنف وبلا تفاهم وبكل إصرار، وكان ما يهمها ألا تراني مرة أخرى، كيف انخدعت من شخصية صديقي هذا بكل هذه البساطة؟ هل لأنه أفهمها أنه يقف جنبها أنا أعلم طريقته في اجتذاب البنات؟!!

(هي تقول أن ما تحلم به ليس مادة ولا تعليما بل أن يكون إنسانا، وصديقي هذا لا يمت للإنسانية بشيء، ولو كان إنسانا كان الأولى أن يكون إنسانا معي وكيف اكتشفت إنسانيته بهذه السرعة؟).

أنا أعلم عنها عنادها وأنها لا تتمالك نفسها تحت الضغط لكي تتخلص منه ودفاعها عن الحق والباطل سواء.

كيف المثالية التي تتقمصها مع واقع غير مثالي ولا يحترم الآخرين؟! يبدو أن عنادها وغرورها عماها، كنت سأحترمها بالرغم من كل شيء لو لم أعلم هذه الحقيقة، كنت أعتقد أن الزمان لو عاد بها فلن تكرر أي علاقة مع أي أحد مهما كانت الأسباب.

صديقي هذا -لا يسامحه الله- والدتي هي التي طلبت تدخله في الموضوع لإقناعي فاستعنت به من أجل إتمام الزواج وإقناع أمي، وثقتي فيه وفيها جعل ما حدث، أكيد أنا مخطئ وخطئي الأكبر في ثقتي بالآخرين خاصة هي.

إنها كانت أول إنسانة أعرفها وأحبها ولم أحب أحدا غيرها في هذه الفترة مطلقا، ومن أول يوم وأنا عازم على الزواج منها بالرغم من العيوب العديدة التي عرفتها في الطريق، وكان بإمكاني أن أقف كما وقفت، ولكنني لا أقابل الله منافقا. أنا لست ملاكا ومن المؤكد أنني أخطأت وعلى استعداد كامل للاعتراف به.

أرجو أن تكون الآن في حالة نفسية تسمح لك بفهم كلامي وتأمله جيدا، كأنك واقع في فخ شديد التركيب، وينبغي أن نحل عقدته أنا وأنت: واحدة واحدة كما نقول في مصر.

هل تلوم نفسك وتقول إنك أخطأت لأنك أحببت من قلبك؟! أو كنت صادقا في حبك؟! واندفعت بحساب في ممارسات يتورط العاشقون فيما هو أكثر منها بكثير؟!
غفر الله لنا ولك الزلات واللمم، وغير ذلك.

أم أنك تلوم نفسك على ثقتك في صديق فعل في الأمر ما فعله زميل لنا أرسله زميل آخر ليصلح الأمر مع فتاته فتزوجها هو!!

إنها قصة متكررة بعض الشيء، والنتيجة تقول بأن الفتاة قد مالت إلى صديقك وأسلوبه في اصطياد الفتيات، وغالبا هي خفيفة الشخصية، سهلة الاصطياد، ولا علاقة لهذا بدرجة التعليم أو الوعي؛ لأننا هنا نتحدث عن المشاعر التي قد تغلب أي امرأة أو رجل فتعميه عن الحقائق، وتزخرف له الأكاذيب.

ولا أحسب أن نصحك لها سيكون له أي أثر أو قيمة أو وزن، غير أن ترسل لها مع وسيط أنك قد أفرغت نفسك من موضوعها، ولكنك تحذرها للمرة الأولى والأخيرة والنهائية من هذا الصديق إن كنت واثقا فعلا من أنه يتلاعب بها، وعندئذ هنيئا لهما بعلاقة تنشأ على جثة بل جثث كثيرة.

أنت ما زلت يا أخي الكريم حديث العهد بالنفس الإنسانية والبشر، وغدا ستعرف أن بين المظاهر والألفاظ الرنانة، وحقائق الجواهر والمسالك في كل إنسان فجوة قد تتسع وقد تضيق، نسأل الله العافية وحسن الختام.

حقيقة أنا أغبطك لأن الله سبحانه يحبك فعلا فقد خلصك من مصدرين للشقاء والشر بضربة واحدة، وخسائرك ليست سوى نقود المحمول، وتلك المشاعر السلبية التي تؤلم نفسك، ولكنها ستكون فارقة لتعرف أن الإنسان ليس ملاكا، كما أنه ليس شيطانا.

شكرا على كل حال للفتاة أنها صارحتك بعلاقتها بصديقك هكذا بصدق وبوضوح، وهنيئا لهما ببعضهما، وكما يقول المثل الصيني -فيما أتذكر- ما عليك إلا أن تنتظر جالسا على ضفة النهر، وقريبا ستمر أمامك الجثث، لكنها هذه المرة ستكون جثث الخونة والمنافقين، وفي كل إنسان إمكانات خيانة ونفاق يغلبها أولو العزم، وتنطلق في حنايا صدور البعض فتدمرهم، ولا يستحقان منك ذلك فتجاوز آلامك، فقد أنفقت في الألم جهدا ووقتا وأعصابا لا تستحقها تلك الفتاة ولا ذلك "الصديق"، وحذار أن تتغير معتقدا أنه لا مكان في عالمنا إلا للذئاب "كما يفعل البعض بعد صدمة تحدث له"، ولكن كن نفسك، ولا تستعجل في فهم نفوس النساء؛ فهناك ما هو أهم وأبسط، وتابعنا بأخبارك.

| 0 التعليقات ]

معركة حتى الموت مع الأعداء الثلاثة
للكاتب : الإمام ابن القيم رحمه الله




قال ابن القيم -رحمه الله- في مقدمة الوابل الصيب:

فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الآدمي، واختاره من بين سائر البرية، وجعل قلبه محل كنوزه من الإيمان، والتوحيد، والإخلاص، والمحبة، والحياء، والتعظيم، والمراقبة، وجعل ثوابه إذا قَدِم عليه أكمل الثواب وأفضله، وهو النظر إلى وجهه، والفوز برضوانه، ومجاورته في جنته.

وكان مع ذلك قد ابتلاه بالشهوة والغضب والغفلة، وابتلاه بعدوه إبليس لا يفتر عنه، فهو يدخل عليه من الأبواب التي هي من نفسه وطبعه، فتميل نفسه معه؛ لأنه يدخل عليها بما تحب، فيتفق هو ونفسه وهواه على العبد: ثلاثةٌ مُسَلَّطون آمرون، فيبعثون الجوارح في قضاء وَطَرِهِم، والجوارح آلة منقادة، فلا يمكنها إلا الانبعاث، فهذا شأن هذه الثلاثة، وشأن الجوارح، فلا تزال الجوارح في طاعتهم كيف أّمَروا، وأين يَمَّموا... هذا مقتضى حال العبد.

فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بِجُنْدٍ آخر، وأمدّه بِمَدَدٍ آخر، يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه، فأرسل إليه رسوله، وأنزل عليه كتابه، وأيده بمَلَكٍ كريم يقابل عدوه الشيطان، فإذا أمره الشيطان بأمرٍ، أمره الملك بأمر ربه، وبيَّن له ما في طاعة العدو من الهلاك. فهذا يُلِمُّ به مرة، وهذا مرة، والمنصورُ من نصره الله عز وجل، والمحفوظُ من حفظه الله تعالى.

وجعل له مقابل نفسه الأمَّارةِ نفساً مطمئنة، إذا أمرته النفسُ الأمَّارة بالسوء نَهَتْهُ عنه النفس المطمئنة، وإذا نهته الأمَّارة عن الخير أمرته به النفس المطمئنة. فهو يطيع هذه مرة، وهذه مرة، وهو للغالب عليه منهما، وربما انقهرت إحداهما بالكلية قهراً لا تقوم معه أبداً.

وجعل له مقابل الهوى الحاملِ له على طاعة الشيطان والنفس الأمَّارةِ نوراً، وبصيرةً، وعقلاً يرده عن الذهاب مع الهوى؛ فكلما أراد أن يذهب مع الهوى ناداه العقل والبصيرة والنور: الحذر الحذر!؛ فإن المهالك والمتالف بين يديك، وأنت صيد الحرامِيَّة، وقُطَاعِ الطريق؛ إن سرت خلف هذا الدليل.

فهو يطيع الناصح مرة فيبن له رشده ونصحه، ويمشي خلف دليل الهوى مرة فَيُقْطَعُ عليه الطريق، ويُؤخَذُ مالُه، ويُسْلَب ثيابُه، فيقول: ترى من أين أُتِيت؟!

والعجبُ أنه يعلم من أين أُتِي، ويعرف الطريق التي قُطِعت عليه وأُخِذ فيها، ويأبى إلا سلوكها؛ لأن دليلها قد تمكن منه وتحكَّم فيه، وقوِيَ عليه!!، ولو أضعفه بالمخالفة له، وزَجْرِه إذا دعاه، ومحاربته إذا أراد أخذه لم يتمكَّنْ منه، ولكنْ هو مكَّنَهُ من نفسه، وهو أعطاه يده، فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه، فيأسره ثم يسومه سوء العذاب، فهو يستغيث فلا يُغاث، فهكذا العبد يستأسر للشيطان والهوى، ولنفسه الأمارة، ثم يطلب الخلاص، فيعجز عنه.

فلما أن بُلي العبدُ بما بُلِي به أُعِين بالعساكر والعُدَدِ والحصون، وقيل له: قاتِل عدوك وجاهِدْهُ، فهذه الجنود خُذْ منها ما شئت، وهذه العُدَدُ البس منها ما شئت، وهذه الحصون تَحَصَّنْ منها بأي حصن شئت، ورابط إلى الموت، فالأمر قريب، ومدة المرابطة يسيرة جداً، فكأنك بالملِك الأعظم وقد أَرْسَلَ إليك رُسُلَه، فنقلوك إلى داره، واسترحت من هذا الجهاد، وفُرِّقَ بينك وبين عدوك، وأُطْلِقْتَ في دار الكرامة تتقلَّب فيها كيف شئت، وسُجِن عدوك في أصعب الحُبوس وأنت تراه، فالسجنُ الذي كان يريد أن يُودِعَك فيه قد أُدْخِلَه وأُغْلِقت عليه أبوابه، وأِيسَ من الخروج والفرج، وأنت فيما اشتهت نفسك، وقَرّت عينك؛ جزاءً على صبرك في تلك المدة اليسيرة، ولزومك الثغر للرِّباط، وما كانت إلا ساعةً ثم انقَضَتْ، وكأن الشدة لم تكن.


| 0 التعليقات ]

لا

 خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ
للكاتب : الشيخ عبد الرحمن بن سعدي


قال الله تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 114] .

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره:

أي: لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه.

ثم استثنى تعالى فقال:
{إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} من مال أو علم أو أي نفع كان، بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة» [رواه مسلم].

{أَوْ مَعْرُوفٍ} وهو الإحسان والطاعة وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه، وإذا أُطلق الأمر بالمعروف من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف، وأيضاً لا يتم فعل الخير إلا بترك الشر. وأما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور، والمنكر بترك المنهي.

{أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض، بل وفي الأديان كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران:103] وقال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9].

وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128] والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله.

كما أن الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله ولا يتم له مقصوده كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]. فهذه الأشياء حيثما فعلت فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء.
ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص، ولهذا قال:

{وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114]، فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير، ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا لأن النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل.